فنقول : إذا كان المعنيّ بكون الصورة كلية ذلك فلم لا يجوز أن يحصل هذه الصورة على هذا الوجه في محلّ جسمانىّ فيرتسم مثلا في الدماغ من مشاهدة إنسان معين صورة بحيث لو كان المرئى بدل ذلك الشخص أيّ إنسان شئت لكانت الصورة الحاصلة منه في الدماغ تلك الصورة؟
فإن قالوا : إنّ تلك الصورة لو حصلت في الجسم لكان لها بسبب الجسم مقدار معيّن وشكل معيّن ، وذلك يمنع من كونها كلية.
قلنا : وكذلك الصورة الحاصلة في نفس الشخص تكون صورة شخصيّة وتكون عرضا قائما بمحل معيّن ، وذلك يمنع من كونها كلية. فإن كان ما يحصل للصورة بسبب حلولها في الجسم من الشكل والمقدار بالعرض مانعا من كونها كلّية ، فكذلك ما يحصل للصورة بسبب حلولها في النفس من الوحدة الشخصيّة والعرضية وجب أن يكون مانعا من الكلّية. وإن أمكن أن يؤخذ الصورة القائمة بالنفس باعتبار آخر حتى تصير كلّية بذلك الاعتبار ، وإن كان اعتبار وحدتها وشخصيتها وحلولها في النفس الشخصية مانعا من كون الصورة الكلية ، جاز أيضا أن يؤخذ الصورة القائمة بمادة جسمانية كالدماغ وغيره باعتبار يكون هي بذلك الاعتبار كلية ، وإن كان باعتبار مقدارها وشكلها ووضعها جزئية.
وبالجملة فالصورة سواء كانت في النفس أو في الجسم فهي لا يكون مشتركا فيها من كل الوجوه لأنّ وحدتها الشخصية مانعة من العموم والكلّية ، ثمّ إنّها مع ذلك يكون مشتركا فيها باعتبار آخر.
أقول : هذا إشكال صعب الانحلال ، مذكور في مبحث الماهيات في العلم الكلّي ومباحث الكلّيات في علم الميزان ، وقد تفصّينا عنه بأنّ مناط الكلية والاشتراك بين كثيرين هو نحو الوجود العقلي. فالصورة وإن كانت واحدة معينة ذات هوية شخصية لكن الهوية العقلية والتعيّن الذهنى والتشخص العقلى لا ينافي كون الصورة متساوى النسبة إلى كثيرين ولا يمنع التشخص العقلى الكلية ، وانّما المانع عن العموم والاشتراك هو الوجود المادّي والتشخص الجسماني الذي يلزمه وضع خاصّ وأين