خاص ومقدار خاص فتختلف نسبة هذا الشخص إلى غيره من الأشخاص الجسمانية والهويات المادية ذوات الأوضاع المختلفة؛ وليس عندنا اعتبار كون الصورة العقلية كلية مشتركا فيها غير؛ واعتبار كونها موجودة متشخصة بتشخص غير ، لأنّ ذلك الوجود نحو آخر من الوجود أشد وأوسع من أن ينحصر في حدّ جزئي ، ويقصر رداؤه عن الانسحاب على كثيرين متوافقين في سنخ ذلك المعنى المحمول. وجميع المعاني والماهيات في أنفسها وبحسب حدّ معناها ممّا لا يأبى عن الحمل على كثيرين. وكذلك إذا وجدت بوجود عقلى غير مقيّد بوضع خاص ومقدار خاصّ إذا الوجود العقلى نسبتها إلى جميع الأوضاع والمقادير والأمكنة نسبة واحدة. فالصورة العقلية لماهية الإنسان من حيث وجودها مشترك فيها بين كثيرين من نوعها ، ومن حيث ماهيتها ومعناها محمولة على كثيرين.
ثمّ إنك قد علمت من طريقتنا في العقل والمعقولات أنّ التعقّل ليس بحلول الصورة المعقولة في الجوهر العاقل حتى يكون صورة الجوهر عرضيا ، ويلزم الإشكالات المذكورة في الوجود الذهنى وهاهنا ومباحث علم البارى ، بل الصورة العقلية للجواهر جواهر قائمة بذواتها وبمبدعها وهي في باب الوجود ، والتجوهر أقوى من ما هي صورتها من الصور الخارجية المادّية لكونها مفتقرة الوجود إلى المواد المتجدّدة الانفعالات والاستحالات.
وأمّا الكلام في صحة هذا البرهان ودلالته على تجرّد النفوس فأقول : إنّ هذا البرهان برهان قاطع لكن على تجرّد بعض النفوس الإنسانية لا النفوس العامّية فإنّه يدلّ على تجرّد نفس تعقل الصور العقلية ، ونشاهدها من حيث عقليتها ونحو وجودها العقلي المشترك فيه بين الأعداد الذي لا يحصل إلّا بعد تجريد المعنى الواحد عن القيود والزوائد والخصوصيات.
وبالجملة كل من يمكن له أن يلاحظ صورة الحيوان مثلا بنحو من الوجود لا يكون لها بحسبه مقدار خاصّ ومكان خاصّ ووضع خاص وزمان خاص. وكذا تعقل صورة الإنسان العقلى المجرد عن العوارض الماديّة بأن يكون إنسانا بحتا يخرج منه