جميع ما هو غير الإنسانيّة من الوضع الخاص والكم الخاص والأين الخاص ، ومع ذلك لا يحذف عنه شيء من مقوماته وقواه وأعضائه حتى أنّه يعقله ذا رأس ووجه وعين ويد ورجل وبطن. وكل ذلك على الوجه العقلى المشترك فيه بين الأعداد الكثيرة لأنّ ذلك معنى إدراك الماهية الكلية لشيء كما قال المعلم الأوّل في أثولوجيا :
الإنسان العقلى روحاني ، وجميع أعضائه روحانية ليس موضع العين غير موضع اليد ، ولا مواضع الأعضاء مختلفة. وكذا يمكنه أن يعقل الأرض العقلية والماء العقلي والسماء العقلية ، ويحضر في ذهنه صورة كل طبيعة من الطبائع بنحو وجودها العقلي الكلي على الوجه الذي مرّ ذكره ، لأنّ ذلك في الحقيقة معنى إدراكه الكليات. وقلّ من الناس من أمكن له الإدراك على ذلك الوجه. والذي يتيسّر لأكثر الناس أن يرتسم في خياله صورة إنسان مثلا ، فإذا أحسّ بفرد آخر منه يتنبّه بأنّ هذا مثل ذاك ، ويدرك جهة الاتحاد بينهما وانّها غير جهة الاختلاف إدراكا خياليا ، كما يدرك جهة الاتحاد بين أجزاء الماء مثلا بحسب الحس ويعلم أنّ جميع أجزاء الماء ماء ، وكما يدرك أنّ جميع أجزاء الماء ماء مع اختلافها في المقدار والجهة ، كذا يدرك أنّ أفرادها المنفصلة ماء إدراكا خياليا. (ج ٤ ، ص ٦٨ ، ط ١).
أقول : هذا تمام كلام صاحب الأسفار في تقرير الحجة ، وما أورد عليها من الاعتراض والشبهة ، والجواب عنهما. ولا يخفى عليك أنّ تلك الشبهة العويصة هي ما ذكرها الشارح العلّامة في إيضاح المقاصد ، كما أنّ أصل الاعتراض هو ما أورده الكاتبى عليها؛ ولعلهما كانا مسبوقين من غيرهما. كيف كان ، الاعتلاء إلى فهم الجواب الذي هو فائض عن بطنان عرش التحقيق في المقام يفتح بابا في معرفة النفس هو باب أبواب سائر مسائل النفس سيما مسائل أدلة تجرّدها.
قوله : «وإن أمكن أن يؤخذ الصورة القائمة بالنفس باعتبار آخر» أي باعتبار لا بشرط. وكذا قوله في جواب الشرط : «كالدماغ وغيره باعتبار» أي باعتبار لا بشرط أيضا. والأمر الأهم في المقام أن يسأل المورد عن الذي يأخذ الصورة الكلية عن الصورة الخيالية ، أو المادة العنصرية ، أو الجسم المتعقل على زعمه من هو؟ وانّما الكلام