ضعيفة الوحدة مبهمة الوجود ، وحدتها على نحو الوحدة الجنسية وهي بحسب تحصّلاتها الصورية متبدلة متجددة كما مرّ بيانه.
فإن قلت : ألستم قد بيّنتم الفرق بين الحس المشترك وبين المفكرة بأنّ أحدهما مدرك والآخر متصرف والقوّة الواحدة لا تكون مبدءا للإدراك والتصرف فكيف تنسون ذلك وتحكمون بأنّ النفس قوية على الفعل وهو التصرف في المقدمات وتركيبها ، والانفعال وهو التصور وقبول الصور؟ قلت إنّ النفس لها قوتان علمية وعملية وتفعل بأحدهما وتنفعل بالأخرى.
وأمّا عن الثالث فقيل إنّ النفوس الفلكية وإن كانت جسمانية إلّا أنّها غير مستقلة في أفعالها من التحريكات ، فهي في ذاتها وإن كانت متناهية القوّة إلّا أنّها بما يسنح عليها من أنوار العقل صارت غير متناهية.
واعترض عليه بأنّ القوّة العقلية إذا حركت الفلك فإمّا أن يفيد الحركة أو قوّة بها يكون الحركة. فإن أفادت القوّة المحركة وهي جسمانية فالقوّة الفاعلة للأفعال الغير المتناهية جسمانية. وإن كانت القوّة العقلية مفيدة للحركة لم يكن القوّة الجسمانية مبدءا لتلك الحركة فلا يكون الحركة حركة. وأيضا يلزم أن يكون الجسم بما هو جسم قابلا لتأثير العقل المفارق من غير أن يكون فيه قوّة جسمانية ومحال.
أقول : هذا أنّما يلزم لو كان الوسط في التأثير قوّة واحدة بالعدد أو ضميمة واحدة بالعدد. وأمّا إذا كانت الواردات من العقل المفارق على مادة الفلك قوى متجددة كما رأينا ، أو كيفيات مستحيلة فلا يلزم شيء من المحذورين ، وقد مرّ نظير هذا الكلام فيما سبق. ولكن بقي الكلام هاهنا بأنّه إذا جاز ذلك في القوى الفلكية مع كونها جسمانية فلم لا يجوز أن تكون القوّة الناطقة جسمانية؟ لكنها بما يسنح عليها من نور العقل الفعّال تقوى على الأفعال الغير المتناهية.
وأقول : ويؤيّد هذا البحث أنّ قوّة التخيل مع كونها غير عقلية أيضا تقوى على تصويرات غير متناهية لا تقف عند حدود ذلك لأنّها ، مستمدّة من عالم العقل. انتهى كلام صاحب الأسفار في المقام.