بينها وبين أنّها عقلت اى وبين تعقّلها وإدراكها آلة والحال أنّها تعقل أنّها عقلت فإذن أنّها تعقل ذاتها وآلتها وتعقل أنّها عقلت بذاتها لا بآلة.
ثمّ أخذ الشيخ في تحقيق نظره المذكور أعنى أنّ تعقّل القوّة العقلية مطلقا ليس بآلة جسدية بقوله في الشفاء : «بل قد نحقّق فنقول لا يخلو إمّا أن يكون تعقلها إلخ».
وفي النجاة بقوله : «وأيضا لا يخلو إمّا أن يكون تعقلها آلتها». فتبصّر.
وفي الشفاء بعد التحقيق قال : «فهذا برهان واضح على أنّه لا يجوز إلخ» ، وفي النجاة قال : «فهذا برهان عظيم على أنّه لا يجوز إلخ».
وتحرير التحقيق أنّ القوّة العقلية لو كانت تعقل بالآلة الجسدانية حتى يكون فعلها الخاص أنّما يتم ويستقيم باستعمال تلك الآلة الجسدانية لكان يجب أن تدرك أوّلا تلك الآلة التي استعملتها لسائر إدراكاتها إذ بها يتحقق فعلها الخاص اى التعقل ، وتعقلها آلتها يتصور على ثلاثة أوجه : وذلك لأنّه إمّا أن يكون لوجود نفس صورة آلتها تلك أي صورة ذلك المحلّ الخارجية نفسها تكفى في تعقل القوّة العاقلة إيّاها ، أو لوجود صورة أخرى والصورة الأخرى إمّا مخالفة لذات صورة الآلة بالعدد ، أو مخالفة لها بالنوع. أي لو لم تكن نفس صورة ذلك المحل الخارجية كافية افتقرت إلى صورة أخرى منتزعة من صورة المحل منطبعة في العقلية ـ وإن شئت قلت منطبعة في صورة المحل فإنّ مآلهما واحد واقعا ـ وتلك الصورة الأخرى إمّا مخالفة لذات صورة الآلة أي محل العقلية بالعدد أو بالنوع.
أمّا على الوجه الأوّل أعنى أن يكون تعقّل القوّة العقلية آلتها لوجود ذات صورة تلك الآلة ، فنقول :
إنّ صورة تلك الآلة قائمة في مادة تلك الآلة لا محالة لأنّها آلة جسدانية بالفرض. وكذلك تكون صورة تلك الآلة في القوّة العاقلة أيضا لأنّ المفروض أنّ القوة العقلية حالّة أي منطبعة في مادة آلتها الجسدانية ، فنفس صورة الآلة صورة واحدة موجودة للآلة وللقوّة العاقلة كلتيهما فكلما كانت الصورة حاضرة لمادة الآلة كانت حاضرة للقوّة العاقلة المنطبعة في تلك الآلة أيضا ، فالعاقلة المنطبعة في الآلة الجسمانية كانت من