بالخصوص والعموم لأنّ أحدهما أنّما يستفيد الجزئية بسبب المادة الجزئية واللواحق التي تلحقها من جهة المادة التي فيها ، وهذا المعنى لا يختص بأحدهما دون الآخر. ولا يجوز أن يكون لوجود صورة أخرى معقولة غير صورة آلتها فإنّ هذا أشدّ استحالة لأنّ الصورة المعقولة إذا حلّت الجوهر القابل جعلته عاقلا لما تلك الصورة صورته ، أو لما تلك الصورة مضافة إليه فتكون صورة المضاف داخلة في هذه الصورة وهذه الصورة المعقولة ليست صورة هذه الآلة ، ولا أيضا صورة شيء مضاف إليها بالذات لأنّ ذات هذه الآلة جوهر ونحن أنّما نأخذ ونعتبر صورة ذاته والجوهر في ذاته غير مضاف إليه.
فهذا برهان عظيم على أنّه لا يجوز أن يدرك المدرك بالآلة آلته في الإدراك. ولهذا كان الحس أنّما يحسّ شيئا خارجا ولا يحسّ ذاته ولا آلته ولا إحساسه. وكذا الخيال لا يتخيل ذاته ولا فعله ولا آلته بل إن تخيل آلته تخيلها لا على نحو يخصّها بأنّه لا محالة لها دون غيرها إلّا أن يكون الحس أورد عليه صورة آلته لو أمكن فيكون حينئذ أنّما يحكى خيالا مأخوذا من الحسّ غير مضاف عنده إلى شيء حتى لو لم يكن هو آلته كذلك لم يتخيله. (ص ١٧٨ ـ ١٨٠ ، ط مصر).
هذا تمام كلام الشيخ في النجاة في تحرير البرهان. وكتاب النجاة وإن كان الشيخ اقتطفه من كتابه الشفاء ولكنه يفيد الباحث كثيرا في حلّ المشاكل وتفهيم المسائل فأقول : لا يخفى عليك أنّ الشيخ ناظر في صدر البرهان إلى أنّ تعقل القوّة العقلية ذاتها وآلاتها ، وكذلك تعقلها أنّها عقلت ليس بآلة جسدية بل هي بذاتها تعقل ذاتها وآلاتها وأنّها عقلت كما هو العنوان في النجاة. واستدل على ذلك بثلاثة أمور :
الأوّل : أنّ تعقّلها لو كان بآلة جسدية لكان يجب أن لا تعقل ذاتها فإنّه ليس بينها وبين ذاتها آلة ، والحال أنّها عاقلة بذاتها.
والثانى : أنّها لو كان كذلك لكان يجب أن لا تعقل الآلة فإنّه ليس لها ـ اى للقوّة العقلية ـ بينها وبين آلتها آلة ، والحال أنّها تدرك الآلة.
والثالث : أنّها لو كان كذلك لكان يجب أن لا تعقل أنّها عقلت فإنّه ليس للقوّة العقلية