النجاة هكذا : «وكذا الخيال لا يتخيل ذاته ولا فعله ولا آلته بل إن تخيل آلته ...» وظنى أن العبارة في الشفاء حرّفت وإن كانت عدة نسخ مخطوطة من الشفاء كلّها كذلك.
والصواب انّ كلمة «البتة» في الشفاء أصلها «آلته» وبعد تحريف آلته بالبتة حذفت لفظة «ولا» أيضا لكى يستقيم المعنى فالصواب ولا فعله ولا آلته بل إن تخيل آلته إلخ.
اعلم أنّ الشيخ جعل هذا البرهان المذكور من الشفاء فصلا على حدة في النجاة معنونا بقوله : «فصل في أنّ تعقل القوة العقلية ليس بالآلة الجسدية». وعبارتهما وإن كانت لا تتفاوت كثيرا ، ولكن عبارة النجاة تفيد بعض الإيضاحات لما في الشفاء ، وتعيننا في غرضنا الآتى ذكره حول هذا البرهان الشريف ، وما يؤول إليه من البرهان المحرّر في الإشارات الذي اعتنى به الحكماء الآلهية نقلا وفنأتى بما في النجاة أيضا ثمّ نهدى إلى طالبى الإيقان ومبتغى التحقيق ما تيّسر لنا بعون المفيض على الإطلاق وملهم الصواب والسداد. قال الشيخ :
فصل في أنّ تعقل القوة العقلية ليس بالآلة الجسدية : ونقول إنّ القوّة العقلية لو كانت تعقل بالآلة الجسدانية حتى يكون فعلها الخاص أنّما يتمّ باستعمال تلك الآلة الجسدانية لكان يجب أن لا تعقل ذاتها ، وأن لا تعقل الآلة ، ولا أن تعقل أنّها عقلت.
فإنّه ليس بينها وبين ذاتها آلة ، وليس بينها وبين آلتها ولا بينها وبين أنّها عقلت آلة ، لكنّها تعقل ذاتها وآلتها التي تدعى آلتها وأنّها عقلت فإذا أنّما تعقل بذاتها لا بالآلة.
وأيضا لا يخلوا إما أن يكون تعقّلها آلتها بوجود ذات صورة آلتها إمّا تلك وإمّا أخرى مخالفة لها وهي صورتها أيضا فيها وفي آلتها ، أو لوجود صورة أخرى غير صورة آلتها تلك فيها وفي آلتها : فإن كان لوجود صورة آلتها فصورة آلتها في آلتها وفيها بالشركة دائما فيجب أن تعقل آلتها دائما التي كانت تعقل لوصول الصورة إليها.
وإن كان لوجود صورة غير تلك الصورة فأنّ المغايرة بين أشياء مشتركة في حدّ واحد إمّا لاختلاف المواد ، وإمّا لاختلاف ما بين الكلى والجزئى ، والمجرّد عن المادة والموجود في المادة؛ وليس هاهنا اختلاف مواد فإنّ المادة واحدة وليس هاهنا اختلاف التجريد والوجود في المادة فإنّ كليهما في المادة؛ وليس هاهنا اختلاف