ولها خواصّ : منها ما هو من باب الإدراك ، ومنها ما هو من باب الفعل ، ومنها ما هو من باب الانفعال. فأمّا الذي لها من باب الفعل في البدن والانفعال (كذا ـ ولعل كلمة «والانفعال» زائدة.) ففعل ليس يصدر عن مجرد ذاتها. وأمّا الإدراك الخاص ففعل يصدر عن مجرّد ذاتها من غير حاجة إلى البدن ولتفسّر كل واحد من هذه؛ فأمّا الأفعال التي تصدر عنها بمشاركة البدن والقوى البدنية فالتعقّل والرؤية في الأمور الجزئيّة في ما ينبغى أن يفعل وما لا ينبغى أن يفعل بحسب الاختيار. ويتعلّق بهذا الباب استنباط الصناعات العملية والتصرف فيها كالملاحة والفلاحة والصياغة والتجارة. وأمّا الانفعالات فأحوال تتبع استعدادات تعرض للبدن مع مشاركة النفس الناطقة كالاستعداد للضحك والبكاء والخجل والحياء والرحمة والرأفة والأنفة وغير ذلك.
وأمّا الذي يخصها وهو الإدراك فهو التصوّر للمعانى الكلّية وبنا حاجة أن نصوّر لك كيفية هذا الإدراك فنقول :
إن كلّ واحد من أشخاص الناس مثلا هو إنسان ، لكن له أحوال وأوصاف ليست داخلة في أنّه إنسان ولا يعرى هو منها في الوجود مثل حده في قده ولونه وشكله والملموس منه وسائر ذلك فإنّ تلك كلّها وإن كانت إنسانية فليست بشرط في أنّه إنسان وإلّا لتساوى فيها كلها أشخاص الناس كلّهم ، ومع ذلك فإنّا نعقل أنّ هناك شيئا هو الإنسان ، وبئسما قال من قال إنّ الإنسان هو هذه الجملة المحسوسة فإنك لا تجد جملتين بحالة واحدة ، وهذه الأحوال الغريبة تلزم الطبيعة من جهة قبول مادتها صورتها فإنّ كلّ واحد من أشخاص الناس تتفق له مادة على مزاج واستعداد خاص ، وكذلك يتفق له وقت وزمان وأسباب أخرى تعاون على إلحاق هذه الأحوال للماهيّات من جهة موادّها.
ثمّ الحسّ إذا أدرك الإنسان فإنّه تنطبع فيه صورة ما للإنسان من حيث هي مخالطة هذه الأعراض والأحوال الجسمانية ولا سبيل لها إلى أن يرتسم فيها مجرّد ماهية الإنسانية حتى يكون ما يشاكل فيها نفس تلك الماهية ، وهذا يظهر بأدنى تأمل؛