الإدراك ، بل إن تخيّل آلته تخيّلها لا على نحو يخصّها بأنّه لا محالة لها دون غيرها إلّا أنّ الحس أمكن أن يوجب تلك الخصوصيّة بأن يورد عليه صورة آلته فحينئذ يحكى خيالا مأخوذا من الحس غير مضاف عنده إلى شيء حتى لو لم يكن هو آلته كذلك لم يتخيّله.
اعلم أنّ هذا البرهان في إثبات تجرّد القوّة العاقلة تام لا كلام فيه ، إلّا أنّ في الابصار والخيال تحقيقا أنيقا يأتى بعيد هذا ، وذلك التحقيق يؤكد تمامية البرهان وعظمه.
تبصرة : البرهان المذكور من الشفاء والنجاة ، قد جعله الغزالى البرهان الرابع من كتابه معارج القدس في مدارج معرفة النفس على حذو ما في الشفاء والنجاة. قال : البرهان الرابع أن نقول إن القوة العقلية لو كانت تعقل بالآلة الجسدانية حتى يكون فعلها انّما يستتم باستعمال تلك الآلة الجسدانية إلخ (ص ٣١ ، ط مصر).
تذكرة : قد علمت في شرح البرهان الأوّل من الشفاء أنّ البرهان الأوّل والسادس من نفس الشفاء من غرر البراهين التي حكمت بأنّ مدرك الصورة العقلية الكلّية أعنى بها النفس الناطقة جوهر روحاني غير موصوف بصفات الأجسام ، كما قد دريت آنفا في أثناء شرح هذا البرهان أنّ الشيخ وصفه في النجاة بقوله هذا برهان عظيم. وقد أشرنا في أثناء شرح البرهان الأوّل أنّ الشيخ بدء في مختصر له موسوم بعيون الحكمة بالبرهان السادس من نفس الشفاء بتحرير آخر ثمّ أتى بالبرهان الأوّل من نفس الشفاء بالاختصار معنونا بقوله : ومما يوضّح هذا إلخ. فاعلم انّ البراهين التي في العيون ممّا يسهّل الخطب في فهم المراد منها على الوجه الذي حرّر كل واحد منها في الشفاء أو في كتاب آخر للشيخ. فنقول الشيخ أتى في الفصل السادس عشر من عيون الحكمة بمطالب أنيقة ثمّ أتبعها بتحرير عدة من البراهين على تجرّد النفس والفصل في تلك المطالب والبراهين. فقال :
الفصل السادس عشر في الإنسان : ومن الحيوان الإنسان يختص بنفس إنسانية تسمّى نفسا ناطقة ، إذ كان أشهر أفعالها وأوّل آثارها الخاصّة بها النطق. وليس يعنى بقولهم :
نفس ناطقة ، أنّها مبدأ المنطق فقط ، بل جعل هذا اللفظ لقبا لذاتها.