والصورة الثانية حاصلة في القوّة العاقلة فالصورة الثانية للآلة أيضا حالّة في الآلة لأنّ الحال في الحال في الشيء حال في ذلك الشيء أيضا فيلزم منه الجمع بين المثلين أيضا على أنّ البحث عن بطلان ذلك يأتى على التفصيل أيضا.
ولا يرد هذا الإيراد أي كون تعقل القوّة العقلية لوجود ذات صورة آلتها ، أو لوجود صورة مخالفة لها بالعدد الموجب لكون القوة العقلية إمّا دائمة التعقل لآلتها أو لا تعقلها أصلا ، على إدراك النفس ذاتها فإنها تدرك دائما ذاتها وإن كانت على سبيل القضية الحينية مقارنة للأجسام التي هي أعضائها وبدنها.
وأمّا على الوجه الثالث ـ وهو كون تعقل القوّة العقلية آلتها لوجود صورة أخرى مخالفة لذات صورة الآلة بالنوع ـ فإنّ هذا أشدّ استحالة من الأولين ، وذلك لأنّ ذات هذه الآلة جوهر ونحن انّما نجد ونعتبر صورة ذاته والجوهر في ذاته غير مضاف إليه.
وأمّا الصورة المعقولة فانّها إذا حلّت الجوهر العاقل ـ وإن شئت قلت الجوهر القابل كما في النجاة ـ جعلته عاقلا لما تلك الصورة صورته ، أو لما تلك الصورة مضافة إليه ، فحيث إنّ صورة المضاف داخلة في هذه الصورة المعقولة ليست صورة الآلة جوهر والجوهر في ذاته غير مضاف البتة فهذه الصورة المعقولة ليست صورة هذه الآلة ولا أيضا شيء مضاف إليها بالذات فكيف يكون هذه الصورة المخالفة للآلة بالماهية آلة القوة العقلية في إدراك آلتها وحاكية لها؟ بل كيف يتحقق انطباع ثلاث صور متغايرة في محل واحد شخصى؟ ولا يخفى عليك أنّ التغاير بين الشيئين بالنوع أشدّ من التغاير بينهما بالعدد. فإذا لم يصحّ اجتماع المتغائرين بالعدد في محل شخصى واحد فإن لا يصحّ اجتماعهما بالنوع أولى. فإن لم تكن القوّة العقلية في تلك الآلة بل هي مجرّدة عن الأجسام فذلك هو المطلوب.
فهذا البرهان العظيم الدال على أنّ ما يدرك ذاته وآلته في الإدراك وإدراكه فهو بريء عن المادة وأحكامها ، برهان واضح على أنّ المدرك بالآلة لا يجوز أن يدرك آلته في الإدراك. ولهذا أنّ الحس لا يدرك ذاته ولا آلته في الإدراك ولا إدراكه بل إنّما يدرك شيئا خارجا عن ذاته. وكذا الخيال لا يتخيّل ذاته ولا فعله أي إدراكه ولا آلته في