أخرى منها في القوّة العاقلة فالقوّة العاقلة إن كانت في تلك الآلة ، والصورة الثانية حاصلة في القوّة العاقلة فتكون الصورة الثانية للآلة أيضا حالّة في الآلة لأنّ الحال في الحال في الشيء حال في الشيء فيلزم منه الجمع بين المثلين هذا خلف. وإن لم تكن القوّة العاقلة في تلك الآلة بل هي مجرّدة عن الأجسام فذلك هو المطلوب.
انتهى تقرر البرهان على ما في المباحث. وأنت ترى أنّ أصل الدليل محرر على ثلاثة أوجه ، وأمّا في بيانه فلم يتعرض لثالث الوجوه ، ولا بأس فيه. فالتثليث على هذا التقرير موجّه لأنّ القوّة العاقلة إذا كانت منطبعة في جسم لا يصحّ أن يقال انّها تعقله في وقت دون وقت ، فانّها إمّا دائمة التعقل له ، أو دائمة اللاتعقل له. فعلى ذلك يظهر وجه عدم تعرض التوقيت في ضمن البيان أيضا. فالقوّة العاقلة إذا كانت تعقل آلتها منقطعا فهي غير حالة فيها كما صرّح به غير الفخر في التقريرات السالفة. فالوجه الثالث في تقرير الفخر مطوى في تقريرات غيره أيضا كما أنّ استثناء نقيض التالى بفساد قسمى المنفصلة معا مطوى في تقرير الفخر أيضا فلا منافاة بين التقرير على التثليث وبينه على التثنية. ثمّ شرع في الاعتراض على الدليل وجرحه بقوله :
ولقائل أن يقول : إنّا قد بيّنا أنّه ليس إدراك الشيء للشيء عبارة عن حصول المعقول في العاقل ، بل الإدراك والعلم والشعور حالة إضافية وهي قد تحتاج إلى حصول صورة المعلوم في العالم ، وقد لا تحتاج ، ولكن العلم في جميع الأحوال ليس إلّا هذه الإضافة ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن تكون القوّة الناطقة حالّة في جسم؟ فمتى حصل بينها وبين ذلك الجسم تلك الإضافة المخصوصة حصل الإدراك وإلّا فلا.
وأيضا فهذه الحجة تقتضى أن تكون جميع لوازم النفس معقولة لها دائما لأنّها لو عقلت شيئا من لوازمها في حال دون حال لكان تعقلها لذلك اللازم ليس نفس حضور ذلك اللازم عندها وإلّا لكان ذلك اللازم أبدا معقولا ، كما أنّه أبدا موجود ، بل يكون تعقل النفس لذلك اللازم لأجل حصول صورة مساوية للازم النفس في النفس فيلزم منه الجمع بين المثلين. فظهر أنّ هذه الحجّة تقتضى كون النفس عالمة بجميع لوازمها أبدا.