بدنية فدائما تكلّها كثرة الأفاعيل ، فالعاقلة ليست ببدنية. والعاقلة وإن كانت تعقلها مع انفعال ما لكنّها لا تضعف ولا تكلّ بالانفعال لبساطة جوهرها وخلّوها عن التقاوم المذكور بخلاف البدنية.
وإنّما قال : قد تكون كثيرا بخلاف ما وصف ، ولم يقل دائما لأنّ العاقلة إذا كان تعقّلها بمعاونة من الفكرة التي هي قوّة بدنية فقد تضعف عن التعقّل لا لذاتها ولكن لضعف معاونها.
والحاصل أنّ تكرر الأفعال يوهن القوى البدنية أو يبطلها دائما ، ولا يوهن العقلية دائما بل ربما يقويها ويشحذها فضلا عن الإبطال.
واعتراض الفاضل الشارح بتجويز كون العاقلة مخالفة لسائر القوى بالنوع مع كون الجميع بدنية ، وحينئذ لا يبعد اختصاص البعض بالكلال دون البعض ساقط لأنّ القياس المذكور يأباه. وأمّا قوله : الخيال يدرك البقّة بعد تخيّل الجبال فإذن الحكم بأنّ الضعيف غير مشعور به أثر القوى ليس بكلّى ، فليس بشيء لأنّهم لا يعنون بقوّة المحسوس كبره ، ولا بضعفه صغره ، بل يعنون بهما شدّة تأثيره في الحاسة وضعفه.
انتهى كلام محقق الإشارات في المقام.
بيان : قوله : قدّس سرّه : «وهذه حجة ثانية». أقول : أنّه جعل الحجج على تجرّد النفس الناطقة من كلام الشيخ في الإشارات أربع ، وأخذ الفصل الثانى من سابع الإشارات وهو قوله : «تبصرة إذا كانت النفس الناطقة ، إلخ» مؤكدا للفصل الأوّل في تجرّدها حيث قال في الشرح على الفصل الأوّل : «ثمّ إنّ الشيخ أكّد هذا المطلوب بما أورده بعد هذا الفصل» ؛ ولكنّنى أقول : إنّ الحجج على تجرّدها في الإشارات خمس؛ لأنّ الفصل الأوّل هو في تجرّدها على أنّها موضوع ما للصور المعقولة فحيث إنّ الصور المعقولة عارية عن المادة وأحكامها فلا بدّ من أن يكون موضوعها من سنخها وإلّا يلزم انقسام تلك الصور المرسلة البسيطة بانقسام محلّها أي موضوعها ، وإن كان الأمر أرفع من التعبير بالمحلّ والموضوع ونحوهما من القبول والانطباع وأترابهما الرائجة في أقلام المشاء والمتكلمة.