فنقول : الدربة أنّما يحصل لها أثر من وجهين : أحدهما أنّ هيئات التحريك الصادرة بالإرادة تتمثل في الخيال أشدّ فيكون وجه استعمالها عند الوهم أحضر. وثانيهما وهو أنّ الأعضاء تستفيد بذلك حسن تشكّل تستعد به لهيئة التحريك. وليس يمكن أن يقال هذا في باب المعقولات فإن العقل وإن سلمنا أنه يفعل بتحريكات الآلات فليس ينحفظ في النفس خيال شيء منها كما ينحفظ لهيئة تحريك اليد والقدم ونحوه. ولا أيضا يمكن أن يقال أنّه يستعين بآلات جسدانية وهي عاصية فيفيدها الاستعمال طاعة فإنا وإن سلمنا العقل يفعل بتحريك فليس بتحريكات مستعصية ولذلك فإنّ صحيح الفطرة الأصيلة يشرع في العلوم فيقف عليها على الاستواء وإن كان بعض الناس يحتاج إلى أن يراض من جهة التفطن لمعانى الألفاظ ، ومن جهة معاوقة من خياله ومعارضة منه لعقله حتى يفهم الحال في ذلك فيعقله ويستوى في أدنى مدة وأخف كلفة. انتهى كلام الفخر.
بيان : قوله : «ويصحّح نقيض التالى بقياس من الشكل الثالث» برهان تام ، والشكل الثالث ينتج نتيجة جزئية موجبة أو سالبة ، ونتيجة هذا القياس هي السالبة الجزئية وهي قوله : «فليس كلّ قوّة عاقلة تكلّ عند الشيخوخة» ولا تنافي لفظة الكل في النتيجة الجزئية لأنّ سور السالبة الجزئية ليس بعض ، وبعض ليس ، وليس كلّ ، وما يساويها. فإذا كانت القوّة العاقلة لها فعلها بنفسها أعنى أنّ لها تعقلا بذاتها ، عند كلال الآلات الجسدانية البدنية وضعفها وفتورها كانت الحجة تامة على إثبات تجرّدها ولو كان وقوع ذلك الفعل مرّة واحدة؛ كما أنّ رؤيا واحدة مثلا إذا تحقق لها تعبير صحيح كفى ذلك لإثبات الرؤيا الصادقة وإن كان كثيرا من الرؤيا أضغاث أحلام ، كما أفاد صاحب المباحث بقوله : «واعلم أنّه ليس من الواجب في صحة ما قلنا إلخ». ولكنّ تمسكه بأعضاء التخيل ليس بتمام لما دريت من تجرّد القوة الخيالية أيضا. وقوله : «ليس من الواجب إلخ» كلام كما في الأسفار في قوّة قياس استثنائي تاليه متصلة كلّية موجبة استثنى فيه نقيض التالى وهو سالبة جزئية لينتج نقيض المقدم ، صورته هكذا : لو كانت الناطقة جسدانية تفعل بالآلة لكان كما عرض للبدن آفة أو مرض أو كلالة