القوى جسمانية.
فنقول : ليس الأمر كما ذكرتموه ، وأمّا ذكره الأمور الماضية التي كانت في ذكره في زمان الشباب فإنّما يكون كذلك لأنّ تكرر مذكوراتها على وهمه وهو شيخ أكثر من تكررها عليه وهو شاب فيكون السبب لذكره أقوى فيه مما في الشباب. وأما حفظه الأشياء التي يحفظها عند الشيخوخة فهو ضعيف ، فالشيخ لا في حفظه تصور المحسوسات ولا في حفظها معانيها كالشاب. وإن شئت أن تعلم ذلك فجرّب حفظ الشيخ للشيء الذي يحفظه عند شيخوخته كحفظه عند ما كان صبيّا أو شابا فانك تجده لا محالة لا ينحفظ له الشيء لا معناه ولا صورته لا عدة ولا مدة كما كان ينحفظ له قبل ذلك وتجد تذكره أضعف مما كان أيضا إلّا فيما للعقل سبيل إلى المعونة فيه. وأمّا الأمور المحفوظة قديما فإنّما يساوى الشيخ الشاب في حفظها لأنّه يتساوى فيهما السبب للحفظ عددا ومع ذلك فإنّ المرتسم من ذلك في حفظ الشاب أوضح وأصفى وأشد استصحابا بالأحوال المطيفة به والمرتسم في حفظ الشيخ أطمس وأدرس وأخفى لمعانا وظهورا.
فإن قيل الشيخ ليس أنّما يوجد سليم العقل بحسب الأمور العقلية الكلية ، بل هو أثقب رأيا وأصحّ مشورة من الشاب في الأمور الجزئية الخيالية وأنت لا تقول أنّ خياله أسلم من خيال الشاب أو مثله.
فنقول : إنّ ذلك لشيئين : أحدهما أنّ الآلة أكبر ، وثانيهما أنّه يستعين بما هو مساو لمثله من الشاب أو أقوى بسبب قلة المنازعات. أمّا أن الآلة أكبر فهو أنّ الأمثلة الجزئية عنده أكثر لأنّ تجاربه أوفر. ثمّ إنّه ليس يتصرف فيها بالخيال والقوى الوهمية فقط بل يرجع فيها إلى العقل فيستعين به في طريق القسمة للأسباب الواقعة الممكنة وطريق الاعتبار للأوائل.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنّ الشيخ قد استفاد في استعمال العقل دربة فصارت الآلة وإن ضعفت إلّا أنّ كثرة دربته تتدارك ما فات بسبب نقصان الآلة ولذلك فإنّ الشيخ المتدرب أقوى في صناعاته واستعماله لها من الشاب.