في الشرح (إيضاح المقاصد) :
أقول هذا برهان آخر يدلّ على تجرّد النفس. وتقريره أنّ القوّة العقلية تدرك الضدّين معا كالسواد والبياض ، فلو كانت جسمانية لزم اجتماع الضدّين في جسم واحد ، وقد بيّنا أنّ التعقل يستدعى الحصول في العاقل ، واجتماع الضدّين في جسم واحد محال ، وإلا لم يكونا ضدّين فوجب القول بتجرّد العاقل وهو النفس. انتهى.
ثمّ اعترض الكاتبى على الدليل بقوله :
وأمّا الرابع؛ فلا نسلّم لزوم اجتماع الضدين في جسم واحد ، وإنّما يلزم ذلك أن لو كانت صورة السواد ومثاله مضادا لصورة البياض ومثاله ، وهو ممنوع؛ بل المضادة بين السواد والبياض بعينهما لا بين مثاليهما؛ سلّمناه لكن لا نسلّم استحالة اجتماعهما في جسم واحد فإنّه يجوز أن يجتمع الضدّان في جسم واحد ، بل المستحيل اجتماعهما في محل واحد لا في جسم واحد فإنّه يجوز أن يجتمع الضدّان في جسم واحد بأن يكون أحدهما حاصلا في بعض أجزاء الجسم والآخر حاصلا في البعض الآخر وحينئذ يكون محل أحدهما غير محل الآخر.
وقال الشارح العلامة : تقرير الاعتراض على الوجه الرابع أن نقول :
الصورة المعقولة من السواد والبياض الحاصلة في الذهن أنّما هي مثال السواد والبياض وشبحهما لا نفسهما وإذا كان كذلك فيمتنع التضادّ بينهما ، وإن كان التضادّ واقعا في المنسوبين إليهما ، وإذا كان كذلك جاز اجتماعهما في القوّة الجسمانية العاقلة؛ سلّمنا وقوع التضادّ بين الصورتين لكن نمنع اجتماعهما في محل واحد لو كانت القوّة العقلية جسمانية وإنّما يلزم ذلك لو حلّا محلا واحدا ولا يلزم من اجتماعهما في جسم واحد اجتماعهما في محل واحد فإنّ الجسم منقسم فجاز أن تحصل صورة السواد في جزء منه وصورة البياض في جزء آخر. انتهى.
وأقول : قد تحقق في الحكمة المتعالية أنّ الضدّين الخارجيين والذهنيين وإن كانا بحسب نحوى الوجود متفاوتين ولكن ماهيّتيهما محفوظتين فيهما ايفاء لحق العلم فإنّه الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل ، ثمّ إذا انحلّت صورتا المتضادّين في محلين من