هو محلّها فامتنع عليها إدراك المتقابلات والأضداد معا ، فلا بأس بها فإنّ الأجسام وما يحلّها من الأضداد والمتقابلات لا يجتمع في الموضوع الواحد منها الضدّان معا والنفس تجمع صورتيهما فتحكم فيهما وعليهما وتقيس إحداهما إلى الأخرى فما حلّت عندها في اجتماعها معا جسما. فإن اعترض فيها معترض فقال : إنّ الخاصية في ذلك أنّما هي في الصور الحالة لا في المحلّ فإنّ هذه الصور غير تلك بالنوع والماهية بل هي غيرها وتلك موجودة طبيعية في موضوعها وعلى طباعها ، وهذه موجودة في محلّها لا على طباع تلك وخواصّ أفعالها فإنّ تلك تحرق نارها ويجمد ثلجها وهذه لا تحرق ولا تجمد فكما ارتفع عنها خواص الأفعال ارتفع عنها لوازم التضاد كان هذا الاعتراض مؤثرا فيها إلى ما يعضدها غيرها فتكون الحجة تلك لا هذه. (ج ٢ ، ص ٣٦٠).
ثمّ اعتمد عليها وصوّبها في الفصل التالى بقوله :
والحجة القائلة بإدراك الضدّين معا نعم الحجة لكنّها لا تبرئ تلك القوى الأخرى التي ذكروها ، بل حكمها في ذلك لو كانت حكم النفس فيما ذكرنا فمتصور الضدين وحافظهما وذاكرهما ليس من عالم الطبيعة فما هو جسم ولا عرض في الجسم حتى يتميز لهم نفس هي جوهر غير جسمانى مع القوى الجسمانية الأخرى. (ج ٢ ، ص ٣٦٧).
أقول : الاعتراض المذكور في المعتبر هو نحو ما في حكمة العين للكاتبى وسترى بعض الإشارات منّا في ذلك وتذعن أنّ الحجة قوية جدّا ، وهي دالّة على تجرّد النفس بأنحائه الثلاثة من التجرّد الخيالى والعقلي وفوق التجرّد العقلي. ثمّ إنّ الحجة المذكورة هو الوجه الرابع من وجوه تجرّد النفس الناطقة في حكمة العين ، قال الكاتبي :
«الرابع أنّ القوّة العاقلة تدرك السواد والبياض معا فتكون مجرّدة والإلزام اجتماع الضدين في جسم واحد» انتهى (ص ١٤٣ ، ط ١).
أقول : يعنى بالجسم الواحد النفس الناطقة التي هي محل السواد والبياض معا ، أي لو كان النفس جسما للزم اجتماع الضدين في ذلك الجسم الواحد. قال العلامة الحلّي