بيان الحجة : أنّ الأضداد بل المتقابلات لا تحلّ جسما ولا تلابسه معا؛ وإن يحلّ متقابل في طرف من جسم ومتقابل آخر في طرف آخر منه صدق أيضا أنّ المتقابلين لم يحلّا جسما واحدا أي محلّا واحدا فان محلّ هذا مخالف لمحلّ هذا ، وأما جوهر النفس الناطقة فاذا أدرك أي علم وتعقل الصورتين المعقولتين المتقابلتين أدركهما معا فهو جوهر غير جسمانى. فعلى هذا السياق نقول في تقرير الحجة : لو كانت الصورة المعقولة تحلّ جسما وتلابسه أي لو كانت النفس جسما لامتنع إدراك المتضادين معا بإدراك واحد لأنّ صورتى المعقولتين المتقابلتين ، وبالجملة المتقابلات مطلقا لا تحل في جسم معا ، ولكن حلولها في جسم يصحّ من حيث إنّه يقبل الانقسام وكل قسم مخالف لقسم آخر ، فيصح أن يكون كل قسم من أقسامه محلّ صورة متقابلة لصورة أخرى؛ وأمّا جوهر النفس فإنّه مهما حلّ فيه صورة إحدى المعقولتين المتقابلتين وجب ضرورة أن تحلّ معها صورة الأخرى لأنّ جوهر النفس يقضى بأنّهما متقابلتين والقضاء فرع على حضور المقضى عليهما معا ، أي حكمه ذلك متفرع على علمه بالمتقابلات معا فتبين أنّ هذا الجوهر الحاكم القابل للعلم غير جسم بل هو جوهر غير جسمانى.
الحجة المذكورة نقلها أبو البركات في الفصل الثالث عشر من الجزء السادس من المعتبر قال :
احتجّوا بأنّ النفس جوهر غير جسماني .... وبأنّ النفس الناطقة التي هي محلّ المعقولات لو كانت قوة جسمانية لحلّت معقولاتها الجسم الذي هو محلّها فامتنع عليها إدراك المتضادين وجمعهما في التصوّر معا ، ونفس الإنسان تعقل المتضادين معا وتقيس أحدهما إلى الآخر وتحكم عليهما وفيهما بما يلزمهما معا من الإضافة والضدية والمناسبة والمباينة التي لا تلزم أحدهما دون الآخر لكن بالآخر ومعه وعنه فليست من القوى الجسمانية. (ج ٢ ، ص ٣٥٧ ، ط حيدرآباد الدكن).
ثمّ اعترض عليها في الفصل التالى في تأمل حجج التجرّد وتتبّعها بقوله :
وأما القائلة بأنّ النفس العاقلة لو كانت قوّة جسمانية لحلّت معقولاتها الجسم الذي