المتضادة والأهواء المتخالفة ، ولا شيء من الجسم والجسمانى كذلك؛ وهذا الدليل يثبت تجرّد الخيال أيضا فضلا عن العاقلة. انتهى.
وأمّا دلالتها على تجرّد النفس فوق تجرّدها العقلى فلأنّ تلك الصور سواء كانت بإنشاء النفس إيّاها ، أو بانتزاعها إيّاها لا تكون لها نفاد ، قال عزّ من قائل : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) الآية (الكهف ، ١١٠). وقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية (لقمان ، ٢٨). ولا تأبى تلك الكلمات النورية الوجودية على أن تكون صورها حاضرة لدى النفس قائمة بها ، ولا النفس آبية على استحضارها ، فهذا هو مقامها اللّايقفى الذي يعبّر عنه بتجرّدها فوق العقلانى. وستأتى زيادة البحث عن ذلك في ذكر الأدلّة على فوق تجرّدها.
ثمّ أنّ المتأله السبزوارى جعل هذه الحجة البرهان السابع من كتابه أسرار الحكم ، وحرّره أتم وأوسع ممّا في غرر الفرائد حتى يشمل التجرّدات الثلاثة المذكورة حيث قال في أثناء التحرير «بل كلّما زاد النفس علما زادت سعة» وهذا الكلام الكامل ناظر إلى ما أفاضه الوصيّ أمير المؤمنين على عليه السّلام من قوله المسطور في النهج : «كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنّه يتّسع به» فإنّ ما أفاضه المرتضى يدلّ على تجرّد النفس فوق تجرّدها العقلى كما سيأتي التحقيق في ذلك على التفصيل.
وهذه الحجة نقلها بهمنيار في الفصل الثانى عشر من كتاب النفس من التحصيل فقال :
ومما يبيّن بسرعة أنّ للنفس قوّة مفارقة وهي المسماة بالعقلية : أنها تدرك أشياء يمتنع وجودها في الجسم كالضدّين معا ، وكالنور والظلمة معا ، وكالعدم والملكة معا؛ وأشياء كثيرة من هذا الجنس. ولوجود مثل هذه الأمور في النفس على الوجه المذكور يمكننا أن نحكم بأنّه لا وجود لشيء من هذه الأشياء في الأجسام. وبالجملة فالمعقول هو الموجود المجرّد عمّا سواه ، ونحن نعقله على هذا الوجه ونحكم بأنّ كذا مجرّد عن المادة فيجب أن يكون هذا الموجود إمّا في الأعيان وإمّا في العقل ، ولا يكفى وجوده في الأعيان عند إدراكه فيجب أن يكون له وجود مجرّد عن المادة