في النفس ، فلو وجد في قوّة جسمانيّة لم يكن وجوده وجودا عقليا أو معقوليّا بل متخيلا ، ومعلوم أنّ الوحدة المطلقة لا يمكن أن تدرك بجسم وإلّا لكانت أجزاء.
فإن قيل إنّ الوحدة قد تعرض أو تحمل على الجسم؛ كان الجواب أنّ الوحدة المقدارية لها أقسام بالقوّة ، وأمّا الوحدة المطلقة المشروطة فيها أنّه لا قسم لها لا بالقوّة ولا بالفعل فإنّها مجرّدة. بل نقول : إنّ كل معنى فهو واحد ليس فيه من حيث وحدته شيء غير شيء ، ونحن ندرك تلك المعانى على هذه الصفة ، فلو كانت تدركها بقوّة جسمانية لكان يعرض أن يكون فيها شيء غير شيء فما كنا ندركها. وأيضا فانا ندرك أشياء غير مشار إليها ونحكم بأنّها غير مشار إليها ، فلو أدركت بقوّة جسمانية لكانت مشارا إليها. (ص ٨١٠ ، ط ايران).
وهذه الحجة هو الوجه الرابع من وجوه تجريد النفس في المواقف للقاضى عضد عبد الرحمن بن أحمد الإيجى ، وقد أتى فيه بخمسة وجوه من وجوه التجريد فقط.
عبارة المواقف مع شرح السيد الشريف على بن محمد الجرجانى عليه مزجا هكذا :
الرابع منها أنّها تعقل الضدّين إذ تحكم بينهما بالتضادّ ، فلو كان مدركهما جسما أو جسمانيا لزم اجتماع السواد والبياض مثلا في جسم واحد وأنّه محال بديهة.
والجواب أنّ صورتى الضدّين لا تضادّ بينهما لأنّهما تخالفان الحقيقة الخارجية ، فليس يلزم من ثبوت التضادّ بين الحقيقتين ثبوته بين الصورتين ولو لا ذلك لما جاز قيامهما بالمجرّد أيضا لأنّ الضدّين لا يجتمعان في محل واحد ماديا كان أو مجرّدا.
وإن سلّمنا تضادّ صورتى الضدّين فلم لا يجوز أن يقوم كل منهما بجزء من الجسم الذي يعقلهما معا غير الجزء الذي قام به الآخر ، فلا يلزم اجتماع المتضادّين في محل واحد. (ص ٤٥٨ ، ط القسطنطنية).
وأنت بما قدّمنا حول هذه الحجة وغيرها تعلم أنّ كلّ واحد من قوله : انّ صورتى الضدّين لا تضادّ بينهما ، وانّ الضدّين لا يجتمعان في محل واحد ماديا كان أو مجرّدا ، ولا سيما إنّ قوله فلم لا يجوز أن يقوم ـ إلى آخره ـ بمعزل عن التحقيق فلا فائدة في إعادة لا عائدة فيها.