ويقول : إنّي أرى فلانا وكذا وكذا؛ ويجزم بأنّ ما رآه كما رآه فهي بالحقيقة موجودة في حقه كما وجدت للإنسان سائر الصور الحسية ، لكن لمّا لم يكن له عقل يميزها ويعلم أن لا وجود لها من خارج توهم أنّ تلك الصورة موجودة في الخارج كما هي مرئية له.
وكذلك النائم يرى عند منامه بحسّه المشترك بل بخياله أشياء لا حقيقة لها في الخارج من المبصرات والمسموعات وغيرهما فيرى ويسمع ويشم ويذوق ويلمس ، ويجزم بأنّه يشاهدها بالحقيقة. وسبب ذلك وجود صور تلك الأشياء في قوّة خياله وحسّه المشترك وهي في النوم كما هي عند اليقظة ، ولتعطّل القوّة العقلية عن التدبّر والفكر فيما يراه انّه من أيّ قبيل.
وكذلك إذا تأثرت أيدينا مثلا عن حرارة وردت عليها من خارج ، أو حصلت له بسبب داخلى لسوء مزاج حارّ ، فأحست بها لا يكون لها إلّا الإحساس فإما أن يعلم أنّ هذه الحرارة لا بدّ أن يكون في جسم حار خارجا كان أو داخلا فذلك للعقل بقوّته الفكريّة.
وكذلك إذا حملت شيئا ثقيلا فانّما تحسّ بالثقل ، وتنفعل عن الثقل فقط ، وأمّا أنّ هذه الكيفيّة قد حصلت بسبب جسم ثقيل في الخارج فذلك ليس إدراكه بالحس ، ولا بالنفس في ذاتها بل بضرب من التجربة.
ومن هذا المقام يتنبّه اللبيب بأنّ للنفس نشأة أخرى غير عالم الأجسام المادية يوجد فيها الأشياء الإدراكية الصورية من غير أن تكون لها مادة جسمانيّة حاملة لصورها وكيفياتها.
ونعم العون على إثبات ذلك العالم ما حققناه في مباحث الكيفيات المحسوسة أنّ الموجودة من تلك الكيفيات في القوى الحسيّة ليست إيّاها بل من جنس آخر من الكيفيّات هي الكيفيات النفسانيّة؛ فالمسموعات والمبصرات والملموسات وغيرها كلّها كيفيّات محسوسة حكاية ، وهي نفسانية حقيقة؛ كما أنّ الصور العقلية من الجواهر الماديّة كالإنسان والفرس والفلك والكوكب والماء والنار هي إنسان