فلم يكن الحمار مدركا لذاته وقد أبطلناه أوّلا. وأيضا لو سلّمنا أنّ الحمار يدرك ذاته لا بذاته بل بجزء من ذاته فذلك الجزء له صورة ذاته فذلك الجزء مجرّد. وأيضا فإذا حصلت نفس الحمار في آلة قوّته الوهميّة مع كونها مخلوطة وجب أن يكون آلة التوهم حيّة بتلك النفس كما أنّ آلة النفس حيّة بها.
وأجابوا عن هذا الآخر بأن قالوا :
حصول تلك الصور في الوهم يشبه الخضرة الحاصلة من الانعكاس ، وحصولها في آلتها الخاصّة كحصول الخضرة الأصلية من الطبيعة. هذا تمام ما قيل في هذا المقام ، والتحقيق ما لوّحناه اليك من الكلام. انتهى ما أردنا نقله من الأسفار.
قوله : «والتحقيق ما لوّحناه من الكلام» ، ناظر إلى ما أفاد في الموضعين المذكورين من نفس الأسفار قد أشرنا إليهما آنفا. وقد علمت أنّ تلك الأسئلة وأجوبتها قد جمعهما ورتبهما الفخر في المباحث أوّلا ، وصاحب الأسفار نقلهما عنه مع بعض إفاضات وإشارات منه. وما في المباحث لا يخلو من جودة تقرير حيث قال بعد تقرير الدليل المذكور على تجرّد النفس ما هذا لفظه :
والاعتراض عليه من وجوه ستة :
الأوّل لا نسلّم أنّا نعقل ذواتنا ولم لا يجوز أن يكون إدراكنا لذواتنا نوعا آخر من الإدراك مخالفا للتعقل. بيانه أنّ التعقل هو أن يحصل للعاقل ماهية المعقول فلا يمكننا أن نعرف كوننا عاقلين لذواتنا إلّا إذا عرفنا أن ذواتنا حاصلة لذواتنا ، فإن أمكننا أن نبين أنّ لنا حقيقة ذواتنا من دون وساطة التعقل فما الحاجة إلى أن نقول إنا نعقل ذواتنا ونتوصل منه إلى أنّ لنا حقيقة ذواتنا ، وإن لم يمكن ذلك فحينئذ لا يمكن بيان كوننا عاقلين بذواتنا إلا ببيان حصول حقيقة ذواتنا لنا ، ولا يمكن ذلك الّا ببيان كوننا عاقلين لذواتنا ويلزم منه الدور.
فقال المجيب : ليس يتعلق الكلام بالتعقل والشعور بل بالإدراك فإنه ثبت أنّ الإدراك عبارة عن حصول ماهية المدرك للمدرك وهذا القدر يكفى في تصحيح هذه الحجة.
قال السائل في تقرير سؤاله الأوّل : لم لا يجوز أن يكون إدراكنا لذاتنا لا يقتضى أن