شخصك عني ثلاثة أيام ولا تطعم شيئا. ففعلت ما أمرني ، فمشيت معه على ساحل البحر فحرك شفتيه ، فإذا رف من سمك شائلة رءوسها من الماء رف فوق رف ، فاتحة فاه كالمشيرة بالسلام إلى إبراهيم بن سعد العلوي ، فقلت في نفسي : لو كان بشر الصياد هاهنا طرح شبكته على هذه الحيتان لاصطاد منها شيئا كثيرا ، فما تم ذلك في نفسي حتى غاص السمك كله في الماء ، والتفت إليّ إبراهيم فقال : إيش عرض في نفسك؟ فقلت له : عرض في نفسي كذا وكذا ، فقال : يا أبا الحارث ما أنت برادّ بهذا الأمر. ورأيت الشيخ إبراهيم كأنه وجد فقال : يا أبا الحارث قطعت أكثر شرق الإسلام وغربه أو بعضه على السياحة والتوكل ، ورأيت أن البر والبحر لواحد ، فاستعملت لنفسي جلبة فركبت فيها وحدي ولججت هذا البحر ـ يعني بحر الروم ـ يرفعني موج ويحطني آخر ، فبينا أنا كذلك إذا بحوت قد أقبل إليّ فاتح فاه ، يريد يبتلعني ويبتلع الجلبة ، فقلت في نفسي : تخلّفي عن هذا الحوت يضعف إيماني ، ويشين بغيتي فطفرت من الجلبة إلى فكي (١) الحوت فركعت فيه ركعتين ثم رجعت إلى الجلبة وخرجت إلى البر وأنا في هذا الجبل يعني اللكام (٢) انتظر ما ينتظر الموحدون لله عزوجل.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الأصبهاني (٣) ، نا عبد المنعم بن عمر (٤) ، نا الحسن بن يحيى ، قال : قال محمد بن محبوب العماني : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول : خرجت من مكة في غير أيام الموسم أريد الشام ، فإذا أنا بثلاثة نفر على جبل ، وإذا هم يتذاكرون الدنيا ، فلما فرغوا أخذوا يعاهدون الله أن لا يمسوا ذهبا ولا فضة. فقلت : وأنا أيضا معكم ، فقالوا : إن شئت. ثم قاموا فقال أحدهم : أما أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا. وقال الآخر : أما أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا. وبقيت أنا وآخر فقال لي : أين تريد؟ فقلت : أريد الشام. فقال : وأنا أريد اللكّام. فكان إبراهيم بن سعد العلوي ، فودع بعضهم بعضا وافترقنا. فمكثت حينا أنتظر أن يأتيني كتابه فما شعرت يوما وأنا بأولاس فخرجت أريد البحر وصرت بين الأشجار إذا برجل صاف قدميه يصلّي فاضطرب قلبي
__________________
(١) غير واضحة بالأصل ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) اللكام بالضم وتشديد الكاف وهو الجبل المشرف على أنطاكية وتلك الثغور (معجم البلدان).
(٣) حلية الأولياء ١٠ / ١٥٦.
(٤) في الحلية : «عمرو».