تحتال في نقضها بهمك ، أو بأي قوة تريد أن تدفعها عنك عند حلولها أتجتلبها (١) من قبل أوانها؟ كلا والله لا بد لأمر الله أن ينفذ فيك طوعا منك أو كرها ، فإن لم تجد إلى الرضا سبيلا فعليك بالتحمل ، ولا تشك من ليس بأهل أن يشكى ، ومن هو أهل الشكر والثناء القديم ، ما أولى من نعمته علينا فما أعطى وعافى أكثر مما زوى وأبلى ، وهو مع ذلك أعرف بموضع الخير لنا منا ، وإذا اضطرتك الأمور وقلّ (٢) صبرك فألجأ إليه بهمّك واشك إليه بثّك ، وليكن طمعك فيه ، واحذر أن تستبطئه أو تسيء به ظنا فإن لكل شيء سببا ، ولكل سبب أجل ، ولكلّ همّ في الله ولله فرج عاجل أو آجل ، ومن علم أنه بعين الله استحيا أن يراه الله يأمل سواه. ومن أيقن بنظر الله له أسقط الاختيار لنفسه في الأمور. ومن علم أن الله هو الضار النافع أسقط مخاوف المخلوقين عن قلبه ، وراقب الله في قربه وطلب الأشياء من معادنها ، فاحذر أن تعلق قلبك بمخلوق تعليق خوف أو رجاء ، أو تفشى إلى أحد اليوم سرّك ، أو تشكو إليه بثّك أو تعتمد على إخائه ، أو تستريح إليه استراحة تكون فيها موضع شكوى بث ، فإن غنيهم فقير في غناه ، وفقيرهم ذليل في فقره ، وعالمهم جاهل في علمه ، فاجر في فعله إلّا القليل ممن عصم الله [تعالى](٣).
أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل ، أنا يحيى بن إبراهيم المزكي ، أنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول : سمعت محمد بن أحمد بن الليث يقول : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول : كان سبب رؤيتي إبراهيم بن سعد أني خرجت من أولاس إلى مكة في غير أيام الموسم فرافقت ثلاثة فقلت : أنا معكم فتفرق اثنان منهم وبقيت أنا والثالث فقال لي (٤) : أين تريد؟ قلت : الشام ، قال : وأنا أريد لكّام ، وإذا هو إبراهيم بن سعد العلوي وكان حسنيا ثم تفرقنا ، فكانت (٥) تأتيني كتب إبراهيم بن سعد ، فما شعرت ذات يوم وأنا بأولاس وقد خرجت ، فإذا أنا برجل قائم يصلّي بين الشجر فلما رأيته علاني هيبة ، فنظرت فإذا إبراهيم بن سعد فلما رآني قضى صلاته وسلّم عليّ فجاء إلى البحر ونظر إليه وحرّك شفتيه ، فإذا بحيتان
__________________
(١) الحلية : أو تجتلبها.
(٢) الحلية : وكلّ.
(٣) زيادة عن الحلية.
(٤) عن هامش الأصل.
(٥) بالأصل «فكان».