__________________
قال : فأخبرني عن مصر ، قال : عروس نسوة ، كلّهن يزفها. قال : وما ذاك بها؟ قال : فيها الثياب وإليها ... الأموال.
قال : فأمر به بحبس عشرا ، ثم أخرجه يوم عيد ، فأقعده إلى جانب المنبر ، ثم صعد الحجاج فخطب الناس ونزل ، ثم دع به والناس مجتمعون على الموائد ، فكفوا عن الطعام ، وأقبلوا يستمعون ما يكون من محاورتهما. فقال له الحجاج : يا ابن القرّيّة. كيف رأيت خطبتي؟ قال : أصلح الله الأمير ، أنت أخطب العرب. قال : عزمت عليك إلا صدقتني. قا : تكثر الرد ، وتشير باليد ، وتقول أما بعد. قال له : ويلك! أوما تستعين أنت بيدك في كلامك؟ قال : لا أصل كلامي بيدي حتى يضيق عليّ لحدي يوم أقضي نحبي. قال : علمت أني قاتلك؟ قال : ليستبقني الأمير أكن له كما كنت عليه قبل وأنا في طاعته أشدّ مبالغة وفي مناصحته أشد نصرة ، قال له : هيهات ، هيهات ، كذبتك نفسك ، وساء ظنك ، وطال أملك ، وكان أملك مع سوء عملك الموت قبل ذلك ثم دعا بحربة فجمع بها يده ثم هزها ، فجزع أيوب من ذلك جزعا شديدا. فقال : أصلح الله الأمير ، دعني أتكلم بكلمات صعاب صلاب كركب وقوف قد قضين من حاجة وطرا ، وقد استقبلن سفرا ، يكن مثلا بعدي. قال : هاتهن إنهن لن ينجينك مني. قال : أصلح الله الأمير. إن لكل جواد عثرة ، ولكل شجاع سهوة ولكل صارم نبوة ، ولكل حليم زلة ، ولكل مذنب توبة قال : لا نقيلك عثرتك ، ولا تقبل توبتك ، ولا يغفر ذنبك. قال : أصغني سمعك. قال : قد أصغيتك سمعي. وأقبلت عليك وأنا ممض فيك أمري. قال : أصلح الله الأمير ، أنت مهج السالكين ، غليظ على الكافرين ، رءوف بالمؤمنين ، تام السلاح ، كامل الحلم ، راسخ العلم ، فكن كما قال الأخطل. قال : وما قال؟ قال : قال :
شمس العداوة حتى يستفاد لهم |
|
وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا |
قال : ليس هذا حين المزاح ، اليوم أروي من دمك السلاح. قال له : قد قال الله عزوجل : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : فأطرق طويلا ثم قال له : أخبرني بأصدق بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول :
وما حملت من ناقة فوق رحلها |
|
أبرّ وأوفى ذمة من محمد |
ولا فقد الماضون مثل محمد |
|
ولا مثله حتى القيامة يفقد |
قال : صدقت. فرجا أيوب أن يكون له عنده فرج. قال : أخبرني بأشكل بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول :
حبذا رجعها يديها إليها |
|
في يدي درعها تحل الإزارا |
ثم قال : أخبرني بأسير بيت قاله الشاعر. قال :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد |
قال : فأخبرني بأكرم بيت قاله الشاعر. قال :
وكنا الأيمنين إذا التقينا |
|
وكان الأيسرين بنوا أبينا |
فصالوا صولة فيمن يليهم |
|
وصلنا صولة فيمن يلينا |
فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدينا |
فقال له : كذبت يا ابن اللّخناء ، بل كنتم ألأم وأوضع ، ثم رفع القناة فوضعها بين ثندوته ، ثم غمزها حتى طلع الدم ، ثم قال : هكذا يقتل اللئيم يا ابن اللّخناء ، ثم قال : ارفعوه فرفعوه ، فجعل يقول : ثكلتك أمك يا ابن القرّيّة لقد فات منك كلام كثير ، ومنطق بليغ ، لله درّك ودرايتك. قيل : قتل الحجاج ابن القرّيّة سنة أربع وثمانين.