فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل حتى وقف بها على موسى فقال : إني أظنك ستقول : هذه حرام عليك! قال رجل : هي حرام عليك لا تقربها ، قال : فو الله لا نطيعك في هذا ، ثم دخل بها قبته فوقع عليها ، فأرسل الله الطاعون على بني إسرائيل ، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى ، وكان رجلا قد أعطي بسطة في الخلق ، وقوة في البطش ، وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يحوس في بني إسرائيل. فأخبر الخبر فأخذ حربته ـ وكانت من حديد كلها ـ ثم دخل عليهما القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء ، والحربة قد أخذها بذراعه ، واعتمد بمرفقه على خاصرته ، وأسند الحربة إلى لحيته ـ وكان بكر العيزار ـ فجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ، ورفع الطاعون فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون ـ فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص ـ فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا ، والمقلّ عليهم يقول : عشرون ألفا في ساعة من النهار ، فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص بن العيزار بن هارون من كلّ ذبيحة ذبحها القبّة والذراع واللّحي ، لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إيّاها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحيته ، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ، لأنه كان بكر العيزار ، ففي بلعم بن باعورا أنزل الله تعالى على محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) يعني بلعم (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) ـ إلى قوله ـ (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١) [يعني بني إسرائيل ، إني قد جئتهم بخبر ما كان فيهم مما يخفون عليك](٢) فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عما مضى فيهم إلّا نبي يأتيه خبر السماء.
أخبرنا أبو الوحش سبيع بن المسلّم ، وأبو تراب حيدرة بن أحمد بن الحسين ـ إذنا ـ قالا : حدّثنا أبو بكر الخطيب ، أخبرني أبو الحسن بن رزقويه أنبأنا أحمد بن سندي ، حدّثنا الحسن بن علي القطّان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، حدّثنا أبو حذيفة عن مقاتل بن سليمان قال : سمعت من حدّثني عن كعب الحبر وعبد الله بن زياد بن سمعان ، ومحمد بن إسحاق ، عن سالم أبي النّضر ، وعن عثمان بن الساج عن الكلبي عن أبي صالح وأبي إلياس ، عن وهب بن منبه كلّ هؤلاء يحدثون عن قصة بلعم بن باعوراء فزاد بعضهم
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٧٥ إلى ١٧٦.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن تاريخ الطبري ١ / ٤٣٩.