وقال الكوفيون : «إلّا» في الاستثناء المنقطع ، بمعنى «سوى» وانتصاب المستثنى بعدها كانتصابه في المتصل ؛
وتأويل البصريين أولى ، لأن المستثنى المنقطع ، يلزم مخالفته لما قبله نفيا واثباتا ، كما في «لكن» ، وفي «سوى» لا يلزم ذلك ، لأنك تقول : لي عليك ديناران ، سوى الدينار الفلانيّ ، وذلك إذا كان صفة ؛ (١) وأيضا معنى «لكن» الاستدراك ، والمراد بالاستدراك فيها رفع توهم المخاطب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها ، مع أنه ليس بداخل فيه ، وهذا هو معنى الاستثناء المنقطع بعينه ؛
وإنما وجب النصب في المستثنى من الموجب ، لأن التفريغ لا يجوز فيه ، كما يجيئ ، والابدال أيضا لا يجوز في نحو : جاء القوم إلا زيدا ، لأنك لو أبدلت ، كان المبدل منه في حكم الساقط ، فيؤدّي إلى التفريغ في الإيجاب فلم يبق إلا النصب ؛
قوله : «أو مقدّما على المستثنى منه» ، يعني إذا كان بعد «الّا» وتقدم على المستثنى منه ، وجب النصب ، لأنه إن كان في الموجب فقد تقدم وجوب النصب ، وإن كان في غير الموجب ، فقد بطل البدل ، لأن البدل لا يتقدم على المبدل منه ، لأنه من التوابع ، فلم يبق إلا النصب على الاستثناء ؛ على أنه قد حكى يونس (٢) : ان بعض العرب يقول : ما لي إلا أبوك أحد ، فجعل المستثنى منه ، المؤخر ، بدلا من المستثنى ، كما قيل : ما مررت بمثله أحد ، و «أحد» بدل من «مثله» ، ويجوز أن تقول : ما لي إلا أبوك صديقا ، على أن «أبوك» مبتدأ ، و «لي» خبره وصديقا ، حال ؛ وتقول : من لي إلّا أبوك صديقا ، فمن ، مبتدأ ، و «لي» خبره ، و «أبوك» بدل من «من» ، كأنك قلت : ألي أحد إلا أبوك ، وصديقا ، حال ؛ وتقول : ما لي إلا زيدا صديق وعمرا ، وعمرو ، فتنصب عمرا على العطف على «زيدا» ، وترفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، أي : وعمرو كذلك ؛
__________________
(١) أي إذا كان لفظ سوى صفة ؛
(٢) يونس بن حبيب ، احد المتقدمين من أئمة النحو وواضعي قواعده وهو شيخ سيبويه وغيره من معاصريه ، وينقل عنه سيبويه كثيرا في كتابه ؛