الأمر نحو «صه ، ومه» وما أشبه ذلك فإنه أقيم مقام الأفعال وهي الأصل في الأمر ، وإنما فعلوا ذلك توخّيا للاختصار لئلا يفتقر إلى إظهار ضمير التثنية والجمع والتأنيث الذي يظهر في الفعل نحو «اسكتا ، واسكتوا ، واسكتن» وما أشبه ذلك.
وأما قولهم «الدليل على أنه اسم تصحيح عينه في «ما أقومه ، وما أبيعه» قلنا : التصحيح حصل له من حيث حصل له التصغير ، وذلك بحمله على باب أفعل الذي للمفاضلة ، فصحح كما صحح من حيث إنه غلب عليه شبه الأسماء بأن ألزم طريقة واحدة ، والشبه الغالب على الشيء لا يخرجه عن أصله ، ألا ترى أن الأسماء التي لا تنصرف لما غلب عليها شبه الفعل منعت الجر والتنوين كما منعهما الفعل ، ولم تخرج بشبهها للفعل عن أن تكون أسماء ؛ فكذلك هاهنا : تصحيح العين في نحو : «ما أقومه ، وما أبيعه» لا يخرجه عن أن يكون فعلا ، على أن تصحيحه غير مستنكر في كلامهم ؛ فإنه قد جاءت أفعال متصرفة مصححة في نحو قولهم : أغيلت المرأة ، وأغيمت السماء ، واستنوق الجمل ، واستتيست الشاة ، واستحوذ يستحوذ. قال الله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] وقال تعالى : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤١] وقد قرأ الحسن البصري : (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزْيَنَت) على وزن أفعلت ، ونحو قولهم : استصوبت ، وأجودت ، وأطيبت ، وأطولت ، قال الشاعر :
[٨٨] صددت وأطولت الصّدود ، وقلّما |
|
وصال على طول الصّدود يدوم |
______________________________________________________
[٨٨] هذا البيت للمرار الفقعسي ، وقد أنشده ابن منظور في اللسان (ط ول) ولم يعزه ، وقد استشهد به سيبويه (١ / ١٢ و ٤٥٩) وقد نسب في صدر الكتاب إلى عمر بن أبي ربيعة ، ونسب في شواهد الأعلم إلى المرار الفقعسي كما ذكرنا ، وممن استشهد به ابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٥١٤) ورضي الدين في شرح الكافية (٢ / ٣٢٠) وانظر خزانة البغدادي (٤ / ٢٨٧) وابن يعيش (ص ١٤١٧) وقوله «صددت» معناه أعرضت ، و «أطولت» كان قياسه أن يقول «أطلت» بحذف العين التي هي الواو ؛ لأن هذه الواو تنقلب ألفا في الفعل ، تقول : أطال ، وأقام ، وأفاء ، وأقاد ، وأنال ، وأمال ، وما أشبه ذلك ، فإذا وصلت تاء الضمير بالفعل حذفت هذه الألفات فقلت : أطلت ، وأقمت ، وأفأت ، وأقدت ، وأنلت ، وأملت ، وذلك لأن آخر الفعل يسكن عند اتصال الضمائر المتحركة به ، فيلتقي ساكنان : الألف المنقلبة عن الواو أو الياء ، وآخر الفعل ، فتحذف الألف للتخلص من التقاء الساكنين ، هذه لغة جمهرة العرب ، ومن العرب من لا يقلب حرف العلة ألفا ، بل يبقيه على أصله في صيغة أفعل وصيغة استفعل ، فيقول : أغيمت السماء ، وأغيل الصبي ، واستتيست الشاة ، واستنوق الجمل ، فإذا اتصل الفعل بالضمير المتحرك على هذه اللغة لم يلتق ساكنان فيبقى الفعل على حاله ، وعلى هذه اللغة جاءت هذه الكلمة ، وانظر كتابنا «دروس التصريف