قولهم شيء أعظم الله أي وصفه بالعظمة ، كما يقول الرجل إذا سمع الأذان : كبّرت كبيرا ، وعظّمت عظيما ، أي وصفته بالكبرياء والعظمة ، لا صيّرته كبيرا عظيما ، فكذلك هاهنا ، ولذلك الشيء ثلاثة معان : أحدها : أن يعنى بالشيء من يعظمه من عباده ، والثاني : أن يعنى بالشيء ما يدل على عظمة الله تعالى وقدرته من مصنوعاته : والثالث : أن يعنى به نفسه ، أي أنه عظيم لنفسه لا لشيء جعله عظيما ، فرقا بينه وبين خلقه.
وحكي أنّ بعض أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد المبرد قدم من البصرة إلى بغداد قبل قدوم المبرد إليها ، فحضر في حلقة أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، فسئل عن هذه المسألة ، فأجاب بجواب أهل البصرة ، وقال : التقدير في قولهم «ما أحسن زيدا» شيء أحسن زيدا ، فقيل له : ما تقول في قولنا «ما أعظم الله»؟ فقال : شيء أعظم الله ، فأنكروا عليه ، وقالوا : هذا لا يجوز ؛ لأن الله تعالى عظيم لا بجعل جاعل ، ثم سحبوه من الحلقة وأخرجوه ، فلما قدم المبرد إلى بغداد أوردوا عليه هذا الإشكال ، فأجاب بما قدمنا من الجواب ، فبان بذلك قبح إنكارهم عليه ، وفساد ما ذهبوا إليه.
وقيل : يحتمل أن يكون قولنا «شيء أعظم الله» بمنزلة الإخبار أنه عظيم ، لا على معنى شيء أعظمه ؛ فإن الألفاظ الجارية عليه سبحانه يجب حملها على ما يليق بصفاته ، ألا ترى أن «عسى ، ولعل» فيها طرف من الشك ، ولا يحمل في حقه سبحانه على الشك ، وكذلك الامتحان يحمل منا على معان تستحيل في حقه سبحانه ، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة ، فكذلك هاهنا : يكون المراد بقولهم «ما أعظم الله» الإخبار أنه [٦٨] عظيم ، لا شيء جعله عظيما لاستحالته ؛ وإن كان ذلك يقدّر في غيره لجوازه وعدم استحالته.
وأما قول الشاعر :
ما أقدر الله أن يدني على شحط |
|
من داره الحزن ممّن داره صول [٧٩] |
فإنه وإن كان لفظه لفظ تعجب فالمراد به المبالغة في وصف الله تعالى بالقدرة ، كقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] فجاء بصيغة الأمر ، وإن لم يكن في الحقيقة أمرا ؛ لامتناع ذلك في حق الله تعالى ، وإن شئت قدّرته تقدير : «ما أعظم الله» على ما بيّنا ، والله أعلم.