وقال الآخر :
[١١١] فليت كفافا كان خيرك كلّه |
|
وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي |
أراد «ليته» إن جعلت «كفافا» خبر كان مقدما عليها ، والتقدير فيه : ليته كان خيرك وشرك كفافا عني ، أو مكفوفين عني ؛ لأن الكفاف مصدر فيقع على الواحد والاثنين والجميع ، كقولهم : رجل عدل ورضا ، ورجلان عدل ورضا ، وقوم عدل ورضا ، وما أشبه ذلك ، وإن جعلت «كفافا» منصوبا بليت لم يكن من هذا الباب ، والأول أجود.
والذي يدلّ على فساد ما ذهبوا إليه أنه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الأسماء النّصب إلا ويعمل الرفع ؛ فما ذهبوا إليه يؤدي إلى ترك القياس ومخالفة الأصول لغير فائدة ، وذلك لا يجوز ، فوجب أن تعمل في الخبر الرفع كما عملت في الاسم النّصب على ما بيّنا ، والله أعلم.
______________________________________________________
[١١١] هذا البيت من قصيدة جيدة ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي يقولها في عتاب ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص ، وقد روى هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه (١ / ٦٨ ط دار الكتب) وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (١١ / ١٠٠ بولاق) والبغدادي في خزانة الأدب (١ / ٤٩٦) نقلا عن أبي علي الفارسي في المسائل البصرية ، وقد استشهد الرضي بعدة أبيات من هذه القصيدة ، واستشهد بالبيت الذي استشهد به المؤلف ههنا في باب «الحروف المشبهة بالفعل» وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٣٩٠) والكفاف ـ بفتح الكاف بزنة السحاب ـ الذي لا يزيد عن قدر الحاجة ، و «ما» مصدرية ظرفية ، وارتوى : أراد به شرب ، ومرتوي : اسم الفاعل من قولهم «ارتوى فلان» إذا طلب الري وذهاب العطش ، ومحل الاستشهاد في البيت قوله «ليت كفافا كان خيرك» فإن هذه العبارة ـ على ما ذكر المؤلف ـ تحتمل وجهين : الأول : أن يكون قوله كفافا خبر كان تقدم عليها وعلى اسمها جميعا ، وأصل الكلام : ليت كان خيرك كفافا ، وعلى هذا الوجه يكون الشاعر قد أولى «ليت» في الظاهر الفعل الذي هو كان ، وقد علمنا أن «ليت» مختصة بالجمل الإسمية ، ولهذا يجب على هذا الوجه تقدير اسم ليت إما ضمير شأن وإما ضمير مخاطب ؛ فعلى الأول يكون تقدير الكلام : ليت هو (أي الحال والشأن) كان خيرك كفافا ، وعلى الثاني يكون التقدير : فليتك كان خيرك كفافا ، والوجه الثاني : من الوجهين اللذين تحتملهما العبارة أن يكون قوله «كفافا» اسم ليت ، وجملة كان في محل رفع خبر ليت ، واسم كان على هذا الوجه ضمير مستتر فيها يعود على كفاف ، ويكون «خيرك» بالنصب على أنه خبر كان ، وقوله «عني» على هذا الوجه جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من قوله «خيرك» أي : ليت كفافا يكون (هو) خيرك منفصلا عني ، ولا يجوز لك أن ترفع «خيرك» على أنه فاعل كان وهي تامة ، وتجعل «كفافا» اسم ليت وخبرها جملة كان وفاعلها ؛ لأن جملة كان حينئذ تصير خالية من رابط يربطها باسم ليت ، فاعرف ذلك كله وتنبه له ، وللعلماء في شرح هذا البيت كلام طويل أعرضنا عنه.