وقال الآخر :
[١١٠] فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة |
|
فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال |
______________________________________________________
يعرف قرابتي ، قال الأعلم : «الشاهد فيه رفع زنجي على الخبر ، وحذف اسم لكن ضرورة ، والتقدير : ولكنك زنجي ، ويجوز نصب زنجي بلكن على إضمار الخبر ، وهو أقيس ، والتقدير : ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي» اه كلامه.
ونظير هذا البيت ما أنشده سيبويه :
فما كنت ضفاطا ، ولكن طالبا |
|
أناخ قليلا فوق ظهر سبيل |
والضفاط : الذي يقضي حاجته من جوفه ، وهو أيضا المسافر على الحمير من قرية إلى قرية ، والطالب : الذي يطلب الإبل الضالة ، كأنه نزل عن راحلته لأمر فظن قوم أنه يقضي حاجته ، فقال ذلك. والاستشهاد به في قوله «ولكن طالبا» حيث حذف خبر لكن وذكر اسمها ، وتقدير الكلام : ولكن طالبا أناخ قليلا أنا ، قال سيبويه «النصب أجود ؛ لأنه لو أراد إضمارا لخفف ولجعل المضمر مبتدأ ، كقولك : ما أنت صالحا ، ولكن طالح» اه ، والكلام واضح إن شاء الله.
ومثل هذا البيت قول الآخر وهو من شواهد الأشموني (رقم ١٤١) :
فأما القتال لا قتال لديكم |
|
ولكن سيرا في عراض المواكب |
التقدير : ولكن سيرا في عراض المواكب لكم ، مثلا ، ومن العلماء من يجعل التقدير : ولكنكم تسيرون سيرا في عراض المواكب ، ولا داعي له ؛ لأنه يلزم عليه تكثير المحذوف ، ومتى أمكن تقليل المحذوف كان هو الأمثل ، ومثله قول الآخر :
فأما الصدور لا صدور لجعفر |
|
ولكن أعجازا شديدا صريرها |
تقديره على ما نرجح : ولكن لهم أعجازا ـ الخ.
[١١٠] أنشد ابن منظور (ب ول) عجز هذا البيت ، ولم يعزه إلى قائل معين ، والبال : الحال والشأن ، ومحل الشاهد فيه قوله «فليت دفعت الهم» حيث وقع الفعل بعد ليت ، وقد علمنا أن «ليت» من الأدوات المختصة بالدخول على الجمل الإسمية فتنصب المبتدأ وترفع الخبر ، ومن أجل هذا جعل النحاة اسم ليت في هذا البيت محذوفا ، وتقدير الكلام : فليتك دفعت الهم ـ الخ ؛ فيكون هذا الفعل مع فاعله جملة في محل رفع خبر ليت ، ولا يكون الفعل واقعا عند التحقيق بعد ليت ؛ لأن الواقع بعد ليت هو اسمها المقدر ، ويجوز أن يكون الضمير المحذوف هو ضمير الشأن والحال ، وتقدير الكلام حينئذ : فليته (أي الحال والشأن) دفعت الهم ـ الخ ، ولكن ما ذكرناه أولا أمثل من هذا ، للعلة التي ذكرناها في شرح الشاهد رقم ١٠٦ ، ومن العلماء من يجعل نظير هذا قول جميل بن معمر :
ألا ليست أيام الصفاء جديد |
|
ودهر تولى بابثين يعود |
وذلك إذا رويت «أيام» بالرفع على الابتداء ، وخبره قوله «جديد» فإن اسم ليت حينئذ يكون محذوفا مقدرا بضمير الشأن ، وكأنه قال : ألا ليته (أي الحال والشأن) أيام الصفاء جديد ، فاعرف ذلك.