فرفع «الخمر» على الاستئناف ، فكأنه قال : والخمر كذلك. وقال الآخر :
[١١٣] وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع |
|
من المال إلّا مسحتا أو مجلّف |
______________________________________________________
عبيطات السدائف وحلت الخمر ، ويروى أن الكسائي سئل في حضرة يونس بن حبيب عن توجيه رفع الخمر في هذا البيت ، فقال الكسائي : يرتفع بإضمار فعل ، أي وحلت له الخمر ، فقال يونس : ما أحسن والله توجيهك ، غير أني سمعت الفرزدق ينشده بنصب طعنة ورفع عبيطات ، على جعل الفاعل مفعولا في اللفظ. ومنهم من جعل قوله «الخمر» مبتدأ حذف خبره ، والتقدير : والخمر كذلك ، وهذا هو الذي أراده المؤلف ههنا ، وهو الذي وجه به البيت ابن يعيش في شرح المفصل.
[١١٣] وهذا البيت أيضا من كلام الفرزدق ، وقد استشهد به رضي الدين في شرح الكافية في باب حروف العطف ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ٣٤٧ بولاق) وأنشده ابن منظور (س ح ت ـ ج ل ف) ونسبه إليه في المرتين ، وأنشده ابن جني في الخصائص (١ / ٩٩) ، وهو من قصيدة من قصائد النقائض ، وأولها قوله :
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف |
|
وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف |
ويروى أن الفرزدق أنشد هذه القصيدة لعبد الله بن إسحاق ، فلما بلغ البيت المستشهد به قال له عبد الله : علام رفعت «أو مجلف» فقال الفرزدق : على ما يسوءك وينوءك! علينا أن نقول ، وعليكم أن تتأولوا. ولم يدع : أي لم يترك ، والمسحت ـ بضم أوله على زنة اسم المفعول ـ هو المستأصل الذي فني كله ولم يبق منه شيء ، والمجلف ـ بالجيم ، على زنة المعظم ـ الذي قد ذهب أكثره وبقي منه شيء يسير. واعلم قبل كل شيء أن أصل الرواية في هذا البيت على ما رواها المؤلف بنصب «مسحتا» ورفع «مجلف» وقد تكلم العلماء في ذلك فأطالوا وقالوا فأكثروا وتعبوا في طلب الحيلة ولم يأتوا بشيء يرتضى ، هكذا قال ابن قتيبة ، وقال الزمخشري كلاما قريبا منه ، ونحن نذكر لك أربعة تخريجات لهذه الرواية الأصلية ، التخريج الأول : أن قوله «مجلف» مبتدأ حذف خبره وتقدير الكلام : أو مجلف كذلك ، والثاني : أن «مجلف» فاعل بفعل محذوف دل عليه سابق الكلام ، والتقدير : أو بقي مجلف ؛ لأن قوله «لم يدع إلا مسحتا» معناه بقي مسحت ، وهذان التخريجان مثل التخريجين اللذين ذكرناهما في شرح البيت السابق ، والتخريج الثالث : أن قوله «مجلف» معطوف على قوله «عض زمان» في أول البيت وهو مصدر ميمي بمعنى التجليف ، وليس اسم مفعول ، وتقدير الكلام على هذا : وعض زمان وتجليفه لم يدع من المال إلا مسحتا ، وهذا توجيه أبي على الفارسي ، والتخريج الرابع : أن قوله «مسحتا» اسم مفعول منصوب على أنه مفعول به لقوله لم يدع ، وفيه ضمير مستتر نائب فاعل ، وقوله «أو مجلف» معطوف على الضمير المستتر في مسحت ، وهذا توجيه الكسائي.
ومن العلماء من ذهب يغير في رواية البيت أو في تفسير كلماته ؛ فمن ذلك ما حكاه الفراء من أن بعضهم روى البيت هكذا :
وعض زمان يا ابن مروان ما به |
|
من المال إلا مسحت أو مجلف |
ومن ذلك أن أبا جعفر بن حبيب روى البيت في كتابه النقائض برفع مسحت ومجلف