تمام الخبر ، فكذلك قبل تمام الخبر ؛ لأنه لا فرق بينهما عندنا ، وأنه قد عرف من مذهبنا أن «إنّ» لا تعمل في الخبر لضعفها ، وإنما يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها ، فإذا كان الخبر يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها ؛ فلا إحالة إذن ؛ لأنه إنما كانت المسألة تفسد أن لو قلنا إن «إنّ» هي العاملة في الخبر فيجتمع عاملان فيكون محالا ، ونحن لا نذهب إلى ذلك ؛ فصحّ ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن ذلك لا يجوز أنك إذا قلت «إنّك وزيد قائمان» وجب أن يكون «زيد» مرفوعا [٨٦] بالابتداء ، ووجب أن يكون عاملا في خبر «زيد» وتكون «إنّ» عاملة في خبر الكاف ، وقد اجتمعا في لفظ واحد ؛ فلو قلنا «إنه يجوز فيه العطف قبل تمام الخبر» لأدى ذلك إلى أن يعمل في اسم واحد عاملان ، وذلك محال.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة : ٦٩] فلا حجة لهم فيه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنا نقول : في هذه الآية تقديم وتأخير ، والتقدير فيها : إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصّابئون والنّصارى كذلك ، كما قال الشاعر :
[١١٢] غداة أحلّت لابن أصرم طعنة |
|
حصين عبيطات السّدائف والخمر |
______________________________________________________
[١١٢] هذا البيت من كلام الفرزدق ، وقد استشهد به ابن يعيش في شرح المفصل (ص ١١٢٧) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٢٠٥ بتحقيقنا) ، وابن أصرم : هو حصين كما سيذكره بعد ، والعبيطات : جمع عبيطة ـ بفتح العين ـ وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج ، والسدائف : جمع سديف ، وهو السنام ، ومحل الاستشهاد في قوله «والخمر». واعلم أولا أن قوله «أحلت لابن أصرم طعنة عبيطات السدائف والخمر» يروى على وجهين : الأول :
بنصب «طعنة» ورفع كل من «عبيطات» و «الخمر» والوجه الثاني : برفع «طعنة» ونصب عبيطات بالكسرة نيابة عن الفتحة ورفع «الخمر» وهذه الرواية هي التي يقصدها المؤلف ههنا ، فأما الرواية الأولى فتخرج على أن «طعنة» مفعول به في اللفظ وإن كان فاعلا في المعنى ، و «عبيطات» فاعل في اللفظ وإن كان مفعولا به في المعنى ، و «الخمر» معطوف على عبيطات السدائف ، وقد أتى الشاعر ـ على هذه الرواية ـ بالفاعل منصوبا والمفعول مرفوعا على طريقة من قال : خرق الثوب المسمار ، وكسر الزجاج الحجر ، وقد صرح ابن مالك بأن العرب قد يدعوهم ظهور المعنى إلى أن يغيروا من إعراب الفاعل فينصبوه وإعراب المفعول فيرفعوه ، وأما تخريج الرواية الثانية فقد اختلف النحاة فيه ، فمنهم من ذهب إلى أن «طعنة» فاعل أحلت مرفوع بالضمة الظاهرة ، و «عبيطات» مفعول به ، و «الخمر» فاعل بفعل محذوف يدل عليه الفعل السابق ، وتقدير الكلام : أحلت الطعنة