الفرع لا بد أن يكون فيه الأصل ، وصار هذا كما تقول في الآنية المصوغة من الفضة فإنها تدل على الفضة ، والفضة لا تدل على الآنية ، وكما أن الآنية المصوغة من الفضة فرع عليها ومأخوذة منها فكذلك هاهنا : الفعل فرع على المصدر ومأخوذ منه.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر ليس مشتقا من الفعل أنه لو كان مشتقا منه لكان يجب أن يجري على سنن في القياس ، ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين ؛ فلما اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء والزيت وسائر الأجناس دل على أنه غير مشتق من الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال : لو كان المصدر مشتقا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان وعلى معنى ثالث ، كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به (١) ؛ فلما لم يكن المصدر كذلك دل على أنه ليس مشتقا من الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر ليس مشتقا من الفعل قولهم «أكرم إكراما» بإثبات الهمزة ، ولو كان مشتقا من الفعل لوجب أن تحذف منه الهمزة كما حذفت من اسم الفاعل والمفعول نحو «مكرم ، ومكرم» لمّا كانا مشتقين منه ؛ فلما لم تحذف هاهنا كما حذفت مما هو مشتق منه دل على أنه ليس بمشتق منه.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر هو الأصل تسميته مصدرا ؛ فإن المصدر هو الموضع الذي يصدر عنه ، ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل «مصدر» فلما سمّي مصدرا دل على أن الفعل قد صدر [عنه] وهذا دليل لا بأس به في المسألة ، وما اعترض به الكوفيون عليه في دليلهم فسنذكر فساده في الجواب عن كلماتهم في موضعه إن شاء الله تعالى.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتلّ لاعتلاله» قلنا : الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن المصدر الذي لا علّة فيه ولا زيادة لا يأتي إلا صحيحا نحو «ضربته ضربا» وما أشبه ذلك ، وإنما يأتي معتلا ما كانت فيه الزيادة ، والكلام إنما وقع في أصول المصادر ، لا في فروعها.
__________________
(١) في الأصل «وذات الفعل والمفعول به» وليس بشيء.