الثاني : أنا [١٠٥] نقول : إنما صح لصحته واعتلّ لاعتلاله للتشاكل ، وذلك لا يدل على الأصلية (١) والفرعية ، وصار هذا كما قالوا «يعد» والأصل فيه يوعد ؛ فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، وقالوا : «أعد ، ونعد ، وتعد» والأصل فيها أوعد ونوعد وتوعد ، فحذفوا الواو ـ وإن لم تقع بين ياء وكسرة ـ حملا على يعد ، ولا يدل ذلك على أنها مشتقة من يعد ، وكذلك قالوا «أكرم» والأصل فيه أأكرم ، فحذفوا إحدى الهمزتين استثقالا لاجتماعهما ، وقالوا : «نكرم ، وتكرم ، ويكرم» ، والأصل فيها : نؤكرم ، وتؤكرم ، ويؤكرم ، كما قال الشاعر :
* فإنّه أهل لأن يؤكرما* [١]
فحذفوا الهمزة ـ وإن لم يجتمع فيها (٢) همزتان ـ حملا على أكرم ؛ ليجري الباب على سنن واحد ، ولا يدل ذلك على أنها مشتقة من أكرم ، فكذلك هاهنا.
والثالث : أنا نقول : يجوز أن يكون المصدر أصلا ويحمل على الفعل الذي هو فرع ، كما بنينا الفعل المضارع في فعل جماعة النسوة نحو «يضربن» حملا على «ضربن» وهو فرع ؛ لأن الفعل المستقبل قبل الماضي ، وكما قال الفراء : إنما بني الفعل الماضي على الفتح في فعل الواحد لأنه يفتح في الاثنين ، ولا شك أن الواحد أصل للاثنين ؛ فإذا جاز لكم أن تحملوا الأصل على الفرع هناك جاز لنا أن نحمل الأصل على الفرع هاهنا.
وأما قولهم «إن الفعل يعمل في المصدر ؛ فيجب أن يكون أصلا» قلنا : كونه عاملا فيه لا يدل على أنه أصل له ، وذلك من وجهين :
أحدهما : أنا أجمعنا على أن الحروف والأفعال تعمل في الأسماء ؛ ولا خلاف أن الحروف والأفعال ليست أصلا للأسماء ، فكذلك هاهنا.
والثاني : أن معنى قولنا «ضرب ضربا» أي أوقع ضربا ، كقولك «ضرب زيدا» في كونهما مفعولين ، وإذا كان المعنى أوقع ضربا فلا شك أن الضرب معقول قبل إيقاعه ، مقصود إليه ، ولهذا يصح أن يؤمر به فيقال : «اضرب» وما أشبه ذلك ، فإذا ثبت أنه معقول قبل إيقاعك معلوم قبل فعلك دل على أنه قبل الفعل.
وأما قولهم : «إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل ، ورتبة المؤكّد قبل رتبة المؤكّد» قلنا : وهذا أيضا لا يدل على الأصالة والفرعية ، ألا ترى أنك إذا قلت [١٠٦] «جاءني زيد زيد ، ورأيت زيدا زيدا ، ومررت بزيد زيد» فإن زيدا الثاني يكون
__________________
(١) في نسخة «الأصل».
(٢) «فيها» أي في الكلمة التي هي «يؤكرم».