توكيدا للأول في هذه المواضع كلها ، وليس مشتقا من الأول ولا فرعا عليه ، فكذلك هاهنا.
وأما قولهم «إنا نجد أفعالا ولا مصادر لها» ، قلنا : خلو تلك الأفعال التي ذكرتموها عن استعمال المصدر لا يخرج بذلك عن كونه أصلا وأن الفعل فرع عليه ؛ لأنه قد يستعمل الفرع وإن لم يستعمل الأصل ، ولا يخرج الأصل بذلك عن كونه أصلا ولا الفرع عن كونه فرعا ، ألا ترى أنهم قالوا : «طير عباديد» أي متفرقة ، فاستعملوا لفظ الجمع الذي هو فرع وإن لم يستعملوا لفظ الواحد الذي هو الأصل ، ولم يخرج بذلك الواحد أن يكون أصلا للجمع ، وكذلك أيضا قالوا : «طيرا أبابيل» قال الله تعالى : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) [الفيل : ٣] أي جماعات في تفرقة وهو جمع لا واحد له في قول الأكثرين ، وزعم بعضهم أن واحده إبّول ، وزعم بعضهم أن واحدة إبّيل ، وكلاهما مخالف لقول الأكثرين ، والظاهر أنهم جعلوا واحده إبولا وإبيلا قياسا وحملا ، لا استعمالا ونقلا ، والخلاف إنما وقع في استعمالهم لا في قياس كلامهم.
ثم نقول : ما ذكرتموه معارض بالمصادر التي لم تستعمل أفعالها ، نحو : «ويله ، وويحه ، وويهه ، وويبه ، وويسه ، وأهلا وسهلا ، ومرحبا ، وسقيا ، ورعيا ، وأفّة ، وتفّة ، وتعسا ، ونكسا ، وبؤسا ، وبعدا ، وسحقا ، وجوعا ، ونوعا ، وجدعا ، وعقرا ، وخيبة ، ودفرا ، وتبّا ، وبهرا».
قال ابن ميادة :
[١٤٩] تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي |
|
بجارية ، بهرا لهم بعدها بهرا |
______________________________________________________
[١٤٩] هذا البيت من كلام ابن ميادة ، واسمه الرماح بن أبرد ـ كما قال المؤلف ـ وقد أنشده ابن منظور (ف ق د ـ ب ه ر) ونسبه إليه في المرتين ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ١٥٧) وتفاقد قومي : يريد فقد بعضهم بعضا ، وقد اختلف أهل اللغة في تفسير قوله «بهرا» فقال قوم : أراد خيبة لهم ، وقيل : أراد تعسا لهم ، وقيل : معناه غلبة لهم وقهرا ، أي غلبوا وقهروا ، قال الأعلم : «يقول : فقد بعض قومي بعضا حيث لم يعينوني على جارية شغفت بحبها ، وعرضوني لتلف مهجتي حبا لها ، فغلبوا غلبة ، وقهرهم العدو قهرا ، وقوله بعدها : أي بعد هذه الفعلة» اه. والاستشهاد بالبيت في قوله «بهرا» فقد زعم المؤلف أن هذا مصدر من المصادر التي لم تستعمل أفعالها ، وهذا الكلام غير مستقيم ؛ لأنه إن أراد أنه لا فعل له مثل بله وويح فلا صحة لهذا الكلام ؛ لأن «بهرا» ليس مثل هذين في أنه لا فعل له ، بل له فعل وهو قولهم «بهره يبهره» أي غلبه ، وإن أراد أنه يستعمل منصوبا بفعل لا يظهر لأنه محذوف وجوبا ، وهذا هو الصواب ، وهو الذي ذكره سيبويه ، واسمع إلى عبارة سيبويه «هذا باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره ، وذلك قولك : سقيا ، ورعيا ، وقولك خيبة ، ودفرا ، وجدعا ، وعقرا ، وبؤسا ، وأفة ، وتفة ،