والوجه الثالث : أنه يبطل بقولك «قام القوم غير زيد» فإن «غير» منصوب ، ولا يخلو : إما أن يكون منصوبا بتقدير إلا ، وإما أن يكون منصوبا بنفسه ، وإما أن يكون منصوبا بالفعل الذي قبله ؛ بطل أن يقال «إنه منصوب بتقدير إلا» لأنا لو قدرنا إلا لفسد المعنى ؛ لأنه يصير التقدير فيه : قام القوم إلا غير زيد ، وهذا فاسد ، وبطل أيضا أن يقال «إنه يعمل في نفسه» ؛ فوجب أن يكون العامل هو الفعل المتقدم ، وإنما جاز أن يعمل فيه وإن كان لازما لأن «غير» موضوعة على الإبهام ، ألا ترى أنك إذا قلت «مررت برجل غيرك» كان كل من جاوز المخاطب داخلا تحت «غير» فلما كان فيه هذا الإبهام المفرط أشبه الظروف المبهمة ، نحو خلف وأمام ووراء وقدّام ، وما أشبه ذلك ، وكما [١٢١] أن الفعل اللازم يتعدى إلى هذه الظروف من غير واسطة فكذلك هاهنا.
والوجه الرابع : أنا نقول لماذا قدرتم أستثني زيدا فنصبتم؟ وهلا قدرتم امتنع فرفعتم! كما روي عن أبي علي الفارسي أنه كان مع عضد الدولة في الميدان فسأله عضد الدولة عن المستثنى ، بماذا انتصب؟ فقال له أبو علي : انتصب لأن التقدير أستثني زيدا ، فقال له عضد الدولة : وهلا قدرت امتنع فرفعت زيدا ، فقال له أبو علي : هذا الجواب الذي ذكرت لك ميداني (١) ، وإذا رجعنا ذكرت لك الجواب الصحيح ، إن شاء الله تعالى.
والوجه الخامس : أنّا إذا أعملنا «إلا» بمعنى أستثني كان الكلام جملتين ، وإذا أعملنا الفعل كان الكلام جملة واحدة ، ومتى أمكن أن يكون الكلام جملة واحدة كان أولى من جعله جملتين من غير فائدة.
وأما قولهم «إن الفعل المتقدّم لازم فلا يجوز أن يكون عاملا» قلنا : هذا الفعل وإن كان لازما إلا أنه تعدى بتقوية «إلّا» على ما بيّنا.
وأما قولهم «والذي يدل على أن الفعل ليس عاملا قولهم : القوم إخوانك إلا زيدا ؛ فينصبون زيدا ، وليس هاهنا فعل ناصب» قلنا : الناصب له ما في إخوانك من معنى الفعل ؛ لأن التقدير فيه : القوم يصادقونك إلا زيدا ؛ فإلّا قوت الفعل المقدر فأوصلته إلى زيد فنصبه.
وأما قول الفراء «إنّ الأصل فيها إن ولا ، ثم خففت إنّ وركبت مع لا» فمجرد دعوى يفتقر إلى دليل ، ولا يمكن الوقوف عليه إلا بوحي وتنزيل ، وليس
__________________
(١) يريد أن هذا الجواب سريع غير مبني على الدقة التي تحتمل النقاش ، وهو لذلك غير مطرد ولا منعكس.