فزيد : اسم إن ، ولا : كفت من الخبر ؛ لأن التأويل : إن زيدا لم يقم ، ثم خففت إنّ وأدغمت في لا وركبت معها فصارتا حرفا واحدا ، كما ركبت لو مع لا وجعلا حرفا واحدا ؛ فلما ركبوا إنّ مع لا أعملوها عملين : عمل إنّ فنصبوا بها في الإيجاب ، وعمل لا فجعلوها عطفا في النفي ، وصارت بمنزلة حتى ، فإنها لما شابهت حرفين إلى والواو أجروها في العمل مجراهما ، فخفضوا بها بتأويل إلى ، وجعلوها كالواو في العطف ؛ لأن الفعل يحسن بعدها كما يحسن بعد الواو ، ألا ترى أنك تقول «ضربت القوم حتى زيد» أي حتى انتهيت إلى زيد ، و «ضربت القوم حتّى زيدا» أي حتى ضربت زيدا ، فكذلك هاهنا : إلّا لمّا ركبت من حرفين أجريت في العمل مجراهما على ما بيّنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إن العامل هو الفعل وذلك لأن هذا الفعل وإن كان فعلا لازما في الأصل إلا أنه قوي بإلّا فتعدّي إلى المستثنى كما تعدى الفعل بحرف الجر ، إلا أن «إلّا» لا تعمل وإن كانت معدّية كما يعمل حرف الجر ؛ لأن «إلا» حرف يدخل على الاسم والفعل المضارع ، نحو «ما زيد إلا يقوم ، وما عمرو إلا يذهب» وإن لم يجز دخوله [١٢٠] على الفعل الماضي نحو «ما زيد إلا قام ، وما عمرو إلا ذهب» والحرف متى دخل على الاسم والفعل لم يعمل في واحد منهما ، وعدم العمل لا يدل على عدم التعدية ، ألا ترى أن الهمزة والتضعيف يعدّيان وليسا عاملين ، ونظير ما نحن فيه نصبهم الاسم في باب المفعول معه نحو «استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطّيالسة» فإن الاسم نصب بالفعل المتقدم بتقوية الواو فإنها قوّت الفعل فأوصلته إلى الاسم فنصبه ؛ فكذلك هاهنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن إلّا قامت مقام أستثني فينبغي أن تعمل عمله» قلنا : الجواب عن هذا من خمسة أوجه :
الوجه الأول : أن هذا يؤدي إلى إعمال معاني الحروف ؛ وإعمال معاني الحروف لا يجوز ، ألا ترى أنك تقول «ما زيد قائما» فيكون صحيحا ؛ فلو قلت «ما زيدا قائما» على معنى نفيت زيدا قائما لكان فاسدا ؛ فكذلك هاهنا ، وإنما لم يجز إعمال معاني الحروف لأن الحروف إنما وضعت نائبة عن الأفعال طلبا للإيجاز والاختصار ؛ فإذا أعملت معاني الحروف فقد رجعت إلى الأفعال ، فأبطلت ذلك المعنى من الإيجاز والاختصار.
والوجه الثاني : أنه لو كان العامل «إلا» بمعنى أستثني لوجب أن لا يجوز في المستثنى إلا النصب ، ولا خلاف في جواز الرفع والجر في النفي نحو «ما جاءني أحد إلا زيد ، وما مررت بأحد إلا زيد» فدل على أنها ليست هي العاملة بمعنى أستثني.