وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه يجوز بناؤها إذا أضيفت إلى غير متمكن ، ولا يجوز بناؤها إذا أضيفت إلى متمكن ، وذلك لأن الإضافة إلى غير
______________________________________________________
«الشاهد فيه بناء غير على الفتح لإضافتها إلى غير متمكن ، وإن كانت في موضع رفع ، وذلك أن «أن» حرف يوصل بالفعل ، وإنما تؤولت اسما مع ما بعدها من صلتها لأنها دلت على المصدر ونابت منابه في المعنى ، فلما أضيفت غير إليها مع لزومها للإضافة بنيت معها ، وإعرابها على الأصل جائز حسن ، ونظير بنائها بناء أسماء الزمان إذا أضيفت إلى الجمل والأفعال ، كقولك : عجبت من يوم قام زيد ومن يوم زيد قائم ؛ لأن حق الإضافة أن تقع على الأسماء المفردة دون الأفعال والجمل ، فلما خرجت عن أصلها بني الاسم» اه وقال سيبويه : «والحجة على أن هذا في موضع رفع أن أبا الخطاب حدثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعا :
* لم يمنع الشرب منها ... البيت*
وزعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع ، فقال الخليل : هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع ، فكذلك غير أن نطقت ، وكما قال النابغة :
على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
فقلت : ألما تصح والشيب وازع؟ |
كأنه جعل حين وعاتبت اسما واحدا» اه.
وقد جعل الأعلم إضافة غير في هذا البيت إلى غير متمكن ـ أي إلى مبنيّ ـ بسبب وجود «أن» المصدرية في صدر المضاف إليه ، مع علمه أن أن المصدرية حرف ، وأن الحرف لا يقع في موقع من مواقع الإعراب أصلا ؛ فلا يكون مضافا إليه ، بل مع علمه أن هذا الحرف المصدري مع مدخوله في تأويل اسم مفرد معرب ـ وهو المصدر المسبوك من أن مدخولها ـ وأنت لو تأملت في هذا البيت وجدت البصريين والكوفيين متفقين على جواز بناء غير في هذا البيت وأمثاله ، ولكن الاختلاف بينهم في تعليل هذا البناء ، فالكوفيون يعللونه ـ على ما قال المؤلف عنهم ـ بأنها قامت مقام إلا الاستثنائية ، والبصريون قد عللوه بأنها أضيفت إلى مبنيّ فاكتسبت البناء من المضاف إليه ، وذلك كما يكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير أو التأنيث ، وقد فصل ابن هشام في مغني اللبيب (ص ٥١٠ ما بعدها) الأمور التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه ، فارجع إليها إن شئت.
ومن شواهد بناء غير لكونها أضيفت إلى مبني ـ على ما يقول البصريون ـ قول الشاعر وأنشده ابن هشام في المغني :
لذ بقيس حين يأبى غيره |
|
تلقه بحرا مفيضا خيره |
الرواية في هذا البيت بفتح «غيره» بدليل الرويّ ، ونظير ما أنشده المؤلف في بناء غير لكونها أضيفت إلى جملة مصدرة بأن قول الحارث بن حلزة اليشكري من قصيدته التي تعد في المعلقات ، وهو من شواهد الرضي :
غير أني قد أستعين على اله |
|
م إذا خف بالثوى النجاء |
فغير ههنا استثناء منقطع ، وهي مفتوحة ، ويجوز أن تكون فتحتها فتحة إعراب ، ويجوز أن تكون فتحة بناء ، وفي هذا القدر كفاية ومقنع إن شاء الله.