فأدخل عليها حرف الخفض ، وقال الشاعر :
[١٧٩] تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي |
|
وما قصدت من أهلها لسوائكا |
فأدخل عليها لام الخفض ؛ فدل على أنها لا تلزم الظرفية ، وقال أبو دؤاد :
[١٨٠] وكلّ من ظنّ أن الموت مخطئه |
|
معلّل بسواء الحقّ مكذوب |
وقال الآخر :
[١٨١] أكرّ على الكتيبة لا أبالي |
|
أفيها كان حتفي أم سواها |
فسواها : في موضع خفض بالعطف على الضمير المخفوض في «فيها» والتقدير : أم في سواها.
والذي يدلّ على ذلك أنه روي عن بعض العرب أنه قال «أتاني سواؤك» فرفع ؛ فدلّ على صحة ما ذهبنا إليه.
______________________________________________________
[١٧٩] هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ١٣) وقد نسبه إلى الأعشى ، وكذلك نسبه الأعلم الشنتمري ، وأنشده ابن منظور (س وى) وهو من شواهد الرضي في باب الاستثناء ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ٥٩) وقوله «تجانف» هو فعل مضارع ، وأصله تتجانف ، فحذف إحدى التاءين ، والتجانف : الانحراف ، وصف أنه لا يعدل في قصده على غير هذا الممدوح ، وجعل الفعل للناقة مجازا. والاستشهاد بالبيت في قوله «لسوائكا» حيث أتى بسواء متأثرة بالعامل الذي هو لام الجر ، فدل ذلك على أنها تخرج عن النصب على الظرفية إلى الوقوع في مواقع الإعراب المختلفة ، على نحو ما بيّناه في شرح البيت السابق.
[١٨٠] هذا البيت من كلام أبي دؤاد ـ كما قال المؤلف ـ واسم أبي دؤاد جويرية بن الحجاج ، ويقال : جارية بن الحجاج ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٤٥٥) وقوله «مخطئه» هو اسم الفاعل من قولك «أخطأك كذا» أي فاتك ولم يصبك ، وفي الحديث «واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك» وقوله «معلل» هو اسم المفعول من قولك «عللت فلانا بكذا» إذا شغلته ولهيته به عن شيء يرغب فيه ، وسواء الحق : أي غيره ، والاستشهاد به في قوله «بسواء الحق» حيث أتى بكلمة «سواء» متأثرة بالعامل الذي هو باء الجر ، وهو دليل للكوفيين على أنها لا تلزم النصب على الظرفية كما يقول سيبويه والخليل ، وقد بيّنا ذلك في شرح الشاهد ١٧٨.
[١٨١] أكر : أي أرجع ، يريد أنه يقدم ولا يفر ، والكتيبة : الجماعة من الجيش ، والحتف ـ بفتح الحاء وسكون التاء المثناة ـ الموت والهلاك. وقد أنشد الكوفيون هذا البيت دليلا على أن «سوى» تخرج عن النصب على الظرفية إلى التأثر بالعوامل ، وذلك أنهم أعربوا «سوى» معطوفا على الضمير المجرور محلا بفي في قوله «أفيها» وتقدير الكلام عندهم : أفي هذه الكتيبة كان هلاكه أم في كتيبة أخرى ، ولم يرتض المؤلف هذا الإعراب مع أنه هو المتبادر ، وجعل «سوى» منصوبا على الظرفية كما هو مبين في كلامه.