فجمع بين الميم و «يا» ولو كانت الميم عوضا من «يا» لما جاز أن يجمع بينهما ؛ لأن العوض والمعوّض لا يجتمعان.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأنا أجمعنا أن الأصل «يا ألله» إلا أنا لما وجدناهم إذا أدخلوا الميم حذفوا «يا» ووجدنا الميم حرفين و «يا» حرفين ، ويستفاد من قولك «اللهمّ» ما يستفاد من قولك «يا ألله» دلنّا ذلك على أن الميم عوض من «يا» ؛ لأن العوض ما قام مقام المعوض ، وهاهنا الميم قد أفادت ما أفادت «يا» ؛ فدل على أنها عوض منها ، ولهذا لا يجمعون بينهما إلا في ضرورة الشعر ، على ما سنبين في [١٥٢] الجواب إن شاء الله تعالى.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين (١) : أما قولهم «إن الأصل يا ألله أمّنا بخير ، فحذفوا بعض الكلام لكثرة الاستعمال» قلنا : الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أنه لو كان الأمر كما زعمتم وأن الأصل فيه يا ألله أمّنا بخير لكان ينبغي أن يجوز أن يقال اللهمنا بخير ، وفي وقوع الإجماع على امتناعه دليل على فساده.
والوجه الثاني : أنه يجوز أن يقال «اللهمّ أمّنا بخير» ولو كان الأول يراد به «أمّ» لما حسن تكرير الثاني ؛ لأنه لا فائدة فيه.
والوجه الثالث : أنه لو كان الأمر كما زعمتم لما جاز أن يستعمل هذا اللفظ إلا فيما يؤدي عن هذا المعنى ، ولا خلاف أنه يجوز أن يقال «اللهم العنه ، اللهمّ أخزه ، اللهم أهلكه» وما أشبه ذلك ، وقد قال الله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ولو كان الأمر كما زعموا لكان التقدير : أمّنا بخير ، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، ولا شك أن هذا التقدير ظاهر الفساد والتناقض ؛ لأنه لا يكون أمهم بالخير أن يمطر عليهم حجارة من السماء أو يؤتوا بعذاب أليم.
وهذا الوجه عندي ضعيف ، والصحيح من وجه الاحتجاج بهذه الآية أنه لو كانت الميم من الفعل لما افتقرت إن الشرطية إلى جواب في قوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] وكانت تسد مسدّ الجواب ، فلما افتقرت إلى الجواب في قوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا) [الأنفال : ٣٢] دل أنها ليست من الفعل.
__________________
(١) انظر رد الزجاج على ما ذهب إليه الفراء من أن أصل «اللهم» يا ألله أمنا بخير ، في لسان العرب (أل ه).