فجمع بين الميم والواو وهي عوض منها لضرورة الشعر ، فجمع بين العوض والمعوّض ، فكذلك هاهنا ، والله أعلم.
______________________________________________________
ثم حذفوا الواو وعوضوا منها الميم فصار «فم» على وزن «فع» وإذا ثنيت الفم بعد رده إلى أصله قلت «فوهيهما» ولكن الشاعر قال «فمويهما» فأبقى الميم التي قصدوا بها التعويض عن الواو المحذوفة من المفرد ، وأعاد الواو التي هي عين الكلمة ، فجمع بذلك بين العوض ـ وهو الميم ـ والمعوض عنه وهو الواو ، ومن المعلوم أن الجمع بين العوض والمعوض منه لا يقع في كلام العرب ، وقد حاول أبو علي أن يتخلص من هذا المأزق مع البقاء على ما أصّلوه من قاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوض منه ؛ لهذا قال : «ويجوز فيها وجه آخر ، وهو أن تكون الواو في فمويهما لاما في موضع الهاء من أفواه ، وتكون الكلمة تعتقب عليها لامان : هاء مرة ، وواو أخرى ، فجرى هذا مجرى سنة وعضة ، ألا ترى أنهما في قول سيبويه واوان ، بدليل : سنوات ، وأسنتوا ، ومساناة ، وعضوات ، وتجدهما في قول من قال : ليست بسنهاء ، وبعير عاضه ، هاءين؟» اه ، وهذا الكلام يحتمل وجهين ؛ الوجه الأول : أن يكون يريد أن الميم عوض عن الهاء التي هي لام الكلمة ، وقد قدمها عن مكانها الأصلي قال الجوهري «وقالوا في التثنية : فموان ، وإنما أجازوا ذلك لأن هناك حرفا آخر محذوفا وهو الهاء ، كأنهم جعلوا الميم في هذه الحال عوضا عنها ، لا عن الواو» اه ، وفيه بعد. والوجه الثاني : أن يكون أراد أن أصل الفم فمو ، فالميم عين الكلمة والواو لامها ، وتقلب هذه الواو ألفا في المفرد لتحركها وانفتاح ما قبلها فتقول : فما ، كما تقول : عصا ، وعلى هذا قول الراجز :
يا حبذا وجه سليمى والفما |
|
والجيد والنحر وثدي قد نما |
قال ابن بري «وقد جاء في الشعر فما مقصورة مثل عصا ، وعلى ذلك جاء تثنيته فموان» اه ، وعلى هذا يكون «والفما» في قول الراجز اسما مفردا مقصورا مرفوعا بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وخرّجه الفرّاء على وجهين آخرين : أحدهما أن يكون أصله «والفمان» على التثنية ، فحذف النون ، والثاني أن تكون الواو واو المعية و «الفما» منصوب على أنه مفعول معه منصوب بالفتحة الظاهرة وألفه للإطلاق وجوز ابن جني وجها ثالثا ، وهو أن يكون منصوبا بفعل مضمر ، كأنه قال : وأحب الفم ، ويكون نصبه بالفتحة الظاهرة أيضا. وقد أطلت عليك في تخريج هذه الكلمة فبحسبك هذا.