وكقول الآخر :
* وبلدة ليس بها أنيس* [١٦٠]
وما أشبه ذلك ؛ فدل على أنها ليست عاطفة ، فبان بهذا صحة ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا : إن الواو ليست عاملة ، وإن العمل لرب مقدرة ، وذلك لأن الواو حرف عطف ، وحرف العطف لا يعمل شيئا ؛ لأن الحرف إنما يعمل إذا كان مختصا ، وحرف العطف غير مختص ؛ فوجب أن لا يكون عاملا ، وإذا لم يكن عاملا وجب أن يكون العامل ربّ مقدرة.
والذي يدل على أنها واو العطف وأن ربّ مضمرة بعدها أنه يجوز ظهورها معها ، نحو «وربّ بلد» وسنبيّن ذلك مستوفى في الجواب.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنها لما نابت عن رب عملت عملها كواو القسم» قلنا : هذا فاسد ؛ لأنه قد جاء عنهم الجرّ بإضمار رب من غير عوض منها ، وذلك نحو قوله :
[٢٣٧] رسم دار وقفت في طلله |
|
كدت أقضي الحياة من جلله |
وقال الآخر :
[٢٣٨] مثلك أو خير تركت رذيّة |
|
تقلّب عينيها إذا طار طائر |
______________________________________________________
وأصله «كأن لون سمائه أرضه» وقد قدمنا كثيرا من أمثلة القلب مع شرح الشاهد (رقم ٢٣٥) ومحل الاستشهاد بالبيت هنا قوله «وبلد» فإنه يريد «ورب بلد» وليست هذه الواو واو العطف. إذ لا معطوف عليه ، بحكم أن هذا البيت أول الأرجوزة.
[٢٣٧] هذا البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة ، وهو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص ١١١٠) ورضي الدين في باب حروف الجر من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ١٩٩) وابن هشام في مغني اللبيب (رقم ١٨٤) وفي أوضح المسالك (٣١٦) والأشموني (رقم ٥٧٩) وابن عقيل (رقم ٢٢٠) والرسم ـ بفتح الراء وسكون السين ـ ما بقي لاصقا بالأرض من آثار الديار كالرماد ونحوه ، والطلل ـ بفتح الطاء واللام جميعا ـ ما بقي شاخصا مرتفعا من آثارها كالوتد ونحوه ، وقوله «من جلله» يحتمل معنيين : أحدهما : أن يكون من قولهم «فعلت كذا من جلل كذا» أي من أجله وبسببه ، والثاني : أن يكون من قولهم «فعلت كذا من جلل كذا» أي من عظمه في نفسي ، ومحل الاستشهاد في البيت قوله «رسم دار» فإن الرواية فيه بجر الرسم ، وقد خرجها العلماء على أنه مجرور لفظا برب المحذوفة الباقي عملها ، قال ابن يعيش «أراد رب رسم دار ، ثم حذف ، لكثرة استعمالها» اه.
[٢٣٨] هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ٢٩٤) وقد غير المؤلف في صدره تغييرا سننبه عليه ، وقوله «أو خير» يريد أو خير منك ، والرذية : فعيلة من قولهم «رذي البعير يرذي ـ من مثال