أراد بل ربّ جوز ، ولا يقول أحد إن بل تجر. وكذلك تضمر بعد الفاء قال الشاعر :
[٢٤٠] * فحور قد لهوت بهنّ عين*
وليست نائبة عنها ، ولا عوضا منها.
والذي أعتمد عليه في الدليل على أن هذه الأحرف ـ التي هي الواو والفاء وبل ـ ليست نائبة عن ربّ ولا عوضا عنها أنه يحسن ظهورها معها ، فيقال «وربّ بلد» و «بل ربّ بلد» و «فربّ حور» ولو كانت [١٦٧] عوضا عنها لما جاز ظهورها معها ؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض. ألا ترى أن واو القسم لما كانت عوضا عن الباء لم يجز أن يجمع بينهما ؛ فلا يقال «وبالله لأفعلنّ» وتجعلهما حرفي قسم ، وكذلك أيضا التاء ، لما كانت عوضا من الواو كما كانت الواو عوضا من الباء لم يجمع بينهما ؛ فلا يقال : «وتالله» وتجعلهما حرفي قسم ؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض ، فأما قوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ)
______________________________________________________
[٢٤٠] هذا صدر بيت للمتنخل الهذلي ، واسمه مالك بن عويمر ، والبيت مع بيت سابق عليه هكذا :
فإما تعرضن سليم عني |
|
وتنزعك الوشاة أولو النباط |
فحور قد لهوت بهن عين |
|
نواعم في المروط وفي الرياط |
والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص ١١١١) والأشموني (رقم ٥٧٧) وسليم : مصغر سلمى تصغير الترخيم ، وقد حذف حرف النداء ، والحور ـ بضم الحاء ـ جمع حوراء وهي التي اشتد بياض بياض عينها واشتد مع ذلك سواد سوادها ، والعين ـ بكسر العين ـ جمع عيناء ، وهي الواسعة العين ، ويروى «قد لهوت بهن حينا» والنواعم :
جمع ناعمة ، وهي التي ترفل في النعيم ، والمروط : جمع مرط ـ بكسر الميم وسكون الراء ـ وهو الثوب من الخز ، والرياط : جمع ريط ، وهو ضرب من الثياب ، والاستشهاد بالبيت في قوله «فحور» حيث جر لفظ «حور» برب المحذوفة بعد الفاء ، ونظير ذلك في هذا قول امرىء القيس ـ في رواية ـ وهو من شواهد سيبويه (١ / ٢٩٤) :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع |
|
فألهيتها عن ذي تماثم محول |
قال سيبويه بعد إنشاده «أي رب مثلك ، ومن العرب من ينصبه على الفعل» اه ، أي يجعله مفعولا به تقدم على عامله ـ وهو طرقت ـ لكونه مما يتعدى إلى المفعول به ولم ينصب مفعولا ، فأما في البيت الشاهد فلا يجيء ذلك ، ونظيره أيضا قول ربيعة بن مقروم الضبي وهو من شعر الحماسة ومن شواهد الرضي (انظر الخزانة ٤ / ٢٠١) :
فإن أهلك فذي حنق لظاه |
|
علي تكاد تلتهب التهابا |
يريد فإن أهلك فرب ذي حنق ـ الخ ، يعني إن أهلك فإني كثيرا ما تركت مغيظا محنقا قد ألهبت قلبه وأشعلت نيران ضغنه بسبب ما جدلت وصرعت من ذوي قرباه مثلا.