فوجب إبرازه ؛ لأنه به يحصل إفهام السامع ورفع الالتباس ؛ ويخرج [٣٣] على هذا إذا جرى على من هو له ؛ فإنه إنما لم يلزمه إبراز الضمير لأنه لا التباس فيه ، ألا ترى أنك لو قلت «زيد ضارب غلامه» لم يسبق إلى فهم السامع إلا أن الفعل لزيد ؛ إذ كان واقعا بعده فلا شيء أولى به منه ، فبان بما ذكرنا صحة ما صرنا إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما البيت الأول وهو قوله :
* لمحقوقة أن تستجيبي دعاءه* [٢٠]
فلا حجّة لهم فيه ؛ لأنه محمول عندنا على الاتّساع والحذف ، والتقدير فيه : لمحقوقة بك أن تستجيبي دعاءه (١) ، وإذا جاز أن يحمل البيت على وجه سائغ في العربية فقد سقط الاحتجاج به.
وأما البيت الثاني ، وهو قول الآخر :
* ترى أرباقهم متقلّديها* [٢١]
فلا حجّة لهم فيه أيضا ؛ لأن التقدير فيه ترى أصحاب أرباقهم ، إلا أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي : أهل القرية ، وقال تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ومنه قولهم «الليلة الهلال» أي : طلوع الهلال ؛ لأن ظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث.
قال الشاعر :
[٢٢] وشرّ المنايا ميّت وسط أهله |
|
كهلك الفتى قد أسلم الحيّ حاضره |
______________________________________________________
[٢٢] هذا البيت من كلام الحطيئة ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ١٠٩). والمنايا : جمع منية ، وهي الموت ، وأصلها فعيلة بمعنى مفعولة ، وفعلها «منى الله الأمر يمنيه» على مثال قضاه يقضيه ، ومعناه قدره وهيأ له الأسباب ، سمى الموت بذلك لأنه من تقدير الله تعالى ، والحاضر : الحي العظيم أو القوم ، وقال ابن سيده : هو الحي إذا حضروا الدار التي بها مجتمعهم ، ومنه قول الشاعر :
في حاضر لجب بالليل سامره |
|
فيه الصواهل والرايات والعكر |
__________________
(١) يريد أن قول الشاعر «لمحقوقة» ليس خبر «إن» على ما ذكر الكوفيون حتى يكون جاريا على غير من هو له وليس معه ضمير بارز ، وإنما هو مبتدأ ، وقوله «أن تستجيبي» يحتمل وجهين : الأول أن يكون خبر ذلك المبتدأ ، فتكون هذه الجملة في محل رفع خبر إن ، وكأن الشاعر قد قال : لجدير بك استجابة دعائه ، فليس في «لمحقوقة» ضمير عائد على غير من جرى عليه ، والوجه الثاني : أن يكون قوله «أن تستجيبي» في تأويل مصدر مرفوع يقع نائب فاعل لمحقوقة أغنى عن خبره ، ويكون «لمحقوقة» خبر إن ، لكنه غير متحمل للضمير أصلا ، لا بارزا ولا مستترا ، لأنه قد رفع اسما ظاهرا ، غير أن هذا الاسم الظاهر ليس صريحا ، بل هو اسم مؤول من الحرف المصدري والفعل.