فأعمل الفعل الثاني ، وهو أفرغ ، ولو أعمل الفعل الأول لقال : أفرغه عليه ، وقال تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] فأعمل الثاني وهو اقرءوا ، ولو أعمل الأول لقال : اقرءوه ، وجاء في الحديث «ونخلع ونترك من يفجرك» فأعمل الثاني ، ولو أعمل الأول لأظهر الضمير بدّا ، وقال الشاعر وهو الفرزدق :
[٤٢] ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني |
|
بنو عبد شمس من مناف وهاشم |
فأعمل الثاني ، ولو أعمل الأول لقال «سببت وسبوني بني عبد شمس» بنصب «بني» وإظهار الضمير في سبني ، وقال طفيل الغنوي :
[٤٣] وكمتا مدمّاة كأنّ متونها |
|
جرى فوقها واستشعرت لون مذهب |
______________________________________________________
[٤٢] ـ هذا البيت كما قال المؤلف للفرزدق همام بن غالب ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٩) وابن يعيش (ص ٩٤) وهو في ديوان الفرزدق (ص ٨٤٤) ثاني بيتين ، والبيت الذي قبله هو قوله :
وليس بعدل أن سببت مجاشعا |
|
بآبائي الشم الكرام الخضارم |
وقوله فيما روى المؤلف «ولكن نصفا» أي إنصافا وعدلا ، وفي الديوان «ولكن عدلا» وقوله «بنو عبد شمس من مناف وهاشم» ليس بمستقيم ؛ فإن هاشما ليس بابن عبد شمس ، وإنما هو ابن عبد مناف ، وقد جاء الفرزدق بهذه العبارة على وجهها الصحيح مرارا ، من ذلك قوله من قصيدة يمدح فيها يزيد بن عبد الملك :
وإن لكم عيصا ألف غصونه |
|
له ظل بيتي عبد شمس وهاشم |
ومن ذلك قوله من قصيدة يهجو فيها أحد بني باهلة :
وهل في معد من كفاء نعده |
|
لنا غير بيتي عبد شمس وهاشم |
ومن ذلك قوله من قصيدة يهجو فيها باهلة وبني عامر بن صعصعة وجريرا :
ولو سئلت من كفؤ الشّمس أومأت |
|
إلى ابني مناف عبد شمس وهاشم |
والاستشهاد بالبيت في قوله «سببت وسبني بنو عبد شمس» فإن هذه العبارة من باب الاشتغال حيث تقدم فيها عاملان ـ وهما قوله سببت وقوله سبني ـ وتأخر عنهما معمول واحد هو قوله «بنو عبد شمس» والأول يطلبه مفعولا والثاني يطلبه فاعلا ، وقد أعمل فيه الثاني ، ولو أنه أعمل الأول لقال «سببت وسبوني بني عبد شمس» وهذا يدل على أن إعمال العامل الثاني في باب التنازع جائز ، ولكنه كما قلنا من قبل لا يدل على أنه أولى من إعمال العامل الأول ؛ وإذا كانت الشواهد الواردة عن العرب المحتج بكلامهم قد أعمل العامل الأول في بعضها وأعمل العامل الثاني في بعضها الآخر ، فقد تكافأ العاملان في جواز الإعمال ، ولم يبق أحدهما أولى من أخيه ، فأما سبق الأول صاحبه وقرب الآخر من المعمول فلا يفيد ، فإنا نعلم أن الأفعال تعمل متقدمة على المعمول ومتأخرة عنه ، وتعمل متصلة بمعمولها ومنفصلة منه ، وذلك كله واقع في أفصح كلام ، ولهذا نرى أن الخلاف في هذه المسألة مما لا طائل له.
[٤٣] هذا البيت ـ كما قال المؤلف ـ من قصيدة لطفيل بن كعب الغنوي ، وهو من شعراء