[٤٥] وقال الآخر ، وهو رجل من بأهلة :
[٤٤] ولقد أرى تغنى به سيفانة |
|
تصبي الحليم ومثلها أصباه |
______________________________________________________
الجاهلية ، وقد اشتهر بوصف الخيل ، حتى قال عبد الملك بن مروان : من أراد أن يتعلم ركوب الخيل فليرو شعر طفيل ، والبيت الشاهد في وصف الخيل أيضا ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٩) وشرح المفصل (ص ٩٤) والأشموني (رقم ٤١٦) والمكمت : جمع أكمت وإن لم يكن هذا المفرد مستعملا ، وإنما المستعمل «كميت» بزنة المصغر ـ قال شارح الجمل : الكميت من الأسماء المصغرة التي لا تكبير لها ، وهو مصغر أكمت تصغير الترخيم بمنزلة حميد من أحمد غير أن أكمت لم يستعمل ، والكميت : الذي لونه الحمرة يخالطها سواد ، ومدماة : شديدة الحمرة حتى كأنها قد طليت بالدم ، والمتون : جمع متن ، وهو الظهر ، وجرى : سال ، واستشعرت لون مذهب : جعلت هذا اللون شعارها ، وأصل الشعار ـ بزنة الكتاب ـ العلامة يتخذها المحارب ليعرف بها ، أو هو ما يلي الجسد من الثياب ، والمذهب ـ بزنة المكرم ـ المموه بالذهب. والاستشهاد به في قوله «جرى فوقها واستشعرت لون مذهب» فإن هذا الكلام من باب التنازع ؛ فقد تقدم عاملان ـ وهما قوله جرى وقوله استشعرت ـ وتأخر عنهما معمول واحد ـ وهو قوله لون مذهب ـ وكل واحد من هذين العاملين يطلب هذا المعمول ، وقد أعمل الشاعر العامل الثاني منهما في لفظ المعمول ، ولو أعمل الأول منهما لرفع «لون مذهب» لأن الأول يطلبه فاعلا ، ولأني بضمير المعمول بارزا مع العامل الثاني ، فكان يقول : جرى فوقها واستشعرته لون مذهب.
[٤٤] هذا البيت من شواهد سيبويه أيضا (١ / ٣٩) ولم يزد في نسبته عما نقله المؤلف ، وتغنى به : مضارع «غني بالمكان يغنى ـ على مثال رضي يرضى» أي أقام ، وتصبي الحليم : تورثه الصبوة ، وهي الميل إلى شهوات الصبا وملذاته. والاستشهاد به في قوله «أرى تغنى به سيفانة» فإن هذه العبارة من باب التنازع لتقدم عاملين ـ وهما قوله أرى وقوله تغنى به ـ وتأخر عنهما معمول واحد ـ وهو قوله سيفانة ـ وأول العاملين يطلب هذا المعمول مفعولا ، وثانيهما يطلبه فاعلا ، وقد أعمل الشاعر العامل الثاني في هذا المعمول ؛ بدليل مجيئه مرفوعا ، ونظير هذه الشواهد في إعمال العامل الثاني قول الشاعر :
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب |
|
جهارا فكن في الغيب أحفظ للود |
وقول الآخر :
هوينني وهويت الغانيات إلى |
|
أن شبت فانصرفت عنهن آمالي |
وقول الآخر :
جفوني ولم أجف الأخلاء ؛ إنني |
|
لغير جميل من خليلي مهمل |
ثم نقول : قد تبين لك أن كلام العرب قد جاء بإعمال أول العاملين في لفظ المعمول المتأخر عنهما ، وبإعمال العامل الثاني في لفظه أيضا ، ومن إعمال العامل الأول الشواهد التي استدل بها الكوفيون ، ومن إعمال الثاني الشواهد التي استدل بها البصريون ؛ فليس لواحد من الفريقين أن يدعي أن الاستعمال العربي يؤيده وحده ؛ لأن الاستعمال العربي يؤيد كل واحد منهما ، وكل ما هناك أنه يبقى سؤال ، وهو هل العامل الأول أولى بالعمل