وقال الآخر :
[٤٥] قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه |
|
وعزّة ممطول معنّى غريمها |
______________________________________________________
لكونه متقدما وقد طلب المعمول قبل أن يطلبه الثاني ، أم العامل الثاني أولى لكونه أقرب إلى المعمول ومجاورا له ، وأما العامل الأول فهو مفصول من المعمول بالعامل الثاني على الأقل؟ ولا نرى لك أن تحاول ترجيح إحدى هاتين القضيتين ؛ فإن لكل منهما مستندا من التعليل والقياس ، لا من الاستعمال العربي.
[٤٥] هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٤١١) وأوضح المسالك (رقم ٢٤١) وممطول : اسم المفعول من قولك «مطل المدين دائنه يمطله ـ من باب نصر ـ» وذلك إذا لواه بدينه وسوّف في قضائه ولم يؤده ، و «معنى» اسم المفعول من قولك «عنى الأمر الفلاني فلانا ـ بتضعيف عين الفعل وهي النون هنا ـ» وذلك إذا شق عليه الأمر وكان سببا في عنائه وشقوته ، والاستشهاد في هذا البيت في موضعين : الأول في قوله «قضى كل ذي دين فوفّى غريمه» فإن هذه العبارة من باب التنازع ، فقد تقدم عاملان ـ وهما قوله «قضى» وقوله «وفّى» ـ وتأخر عنهما معمول واحد ـ وهو قوله «غريمه» ـ وكل واحد من العاملين المتقدمين يطلب المعمول المتأخر مفعولا ، وقد أعمل الشاعر المعمول الثاني منهما في لفظ المعمول ، والدليل على أنه أعمل الثاني هنا أنه لم يصل ضمير المعمول بالعامل الثاني ، لأنه لو كان قد أعمل الأول لوجب أن يقول «قضى كل ذي دين فوفاه غريمه» على أن يكون تقدير الكلام : قضى كل ذي دين غريمه فوفاه ، والموضع الثاني من موضعي استشهاد المؤلف بالبيت قوله «ممطول معنى غريمها» فإن ظاهر هذه العبارة أنها من باب التنازع ؛ لتقدم عاملين ـ وهما قوله «ممطول» وقوله «معنى» ـ وتأخر عنهما معمول واحد ـ وهو قوله «غريمها» ـ وكل واحد من هذين العاملين يطلبه نائب فاعل ؛ لأن كل واحد منهما اسم مفعول على ما بيّنا ، وأنت تعلم أن اسم المفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول. وقد اغتر المؤلف بهذا الظاهر ؛ فخيل إليه أن العبارة من باب التنازع ، وأن الشاعر قد أعمل العامل الثاني ، لأنه لو كان قد أعمل العامل الأول لوجب عليه أن يقول : وعزة ممطول معنى هو غريمها ؛ فيكون «هو» نائب فاعل معنى ، وغريمها : نائب فاعل ممطول ، فإن قلت : فلماذا لا يكون في «معنى» ضمير مستتر جوازا تقديره هو ويكون هذا الضمير نائب فاعل معنى على تقدير إعمال ممطول في لفظ المعمول المتأخر؟ فالجواب على هذا أن نقول : إن قوله «وعزة» مبتدأ ، وخبره قوله «ممطول» والممطول وصف الغريم لا وصف عزة ، فقد جرى ضمير الخبر على غير مبتدئه ، وإذا جرى ضمير الخبر على غير المبتدأ وجب إبراز ذلك الضمير ، هكذا خيل للمؤلف ، وهو كلام منقوض من ثلاثة أوجه ؛ الوجه الأول : أن وجوب إبراز الضمير من الخبر إذا جرى هذا الضمير على غير مبتدئه هو مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين أنه لا يجب إبراز الضمير من الوصف إذا جرى على غير موصوفه ، كما بينه المؤلف نفسه في المسألة رقم ٨ السابقة ، وإذا كان الأمر كذلك لم يجز أن يحتج على مذهب قوم بمذهب قوم آخرين كما هو مقرر في علم الجدل ، والوجه الثاني : أن الشاعر لو كان قد أعمل العامل الثاني لوجب