قلت : وهذا الذي قاله أبو الهيثم حسَنٌ ودلائله واضحة غير أن التحيّة وإن كانت في الأَصْلِ سلاماً فجائز أن يُسَمَّى المُلْكُ في الدنيا تحيّةً كما قال الفرّاء وأبو عمرو ، لأن المَلِكَ يُحيَّا بِتَحِيّة المُلْكِ المعروفة للملوك التي يباينون فيها غيرَهم ، وكانت تحية ملوك العجم قريبةً في المعنى من تحية مُلوكِ العرب ، كان يقال لِمَلِكِهم زِهْ هَزَارْ سَالْ ، المعنى عِشْ سالماً ألفَ سنة. وجائز أن يقال للبقاء تحيَّةً لأن من سَلِمَ من الآفات فهو باقٍ ، والباقي في صفة اللهِ من هذا لأنه لا يموت أبداً ، فمعنى حيَّاك اللهُ : أي أَبقاك صحيحٌ ، من الحياة ، وهو البقاء. يقال : أَحْيَاهُ اللهُ وحيَّاه بمعنىً واحد ، والعرب تسمي الشيءَ باسم غيرِه إذا كان معه أو من سببه.أخبرني محمد بن مُعاذ عن حاتم بن المظفّر أنه سأل سَلَمة بن عاصم عن قوله : حيّاك اللهُ ، فقال : بمنزلة أَحْيَاكَ اللهُ أي أبقاك اللهُ مثل كرّم اللهُ وأكرم اللهُ ، قال : وسألت أبا عثمان المازني عن حيّاك اللهُ فقال عَمَّرك اللهُ.
وقال الليثُ : المحاياةُ الغِذاء للصبيّ بما به حَيَاتُه ، وقال : حَيَا الربيع ما تحيا به الأرض من الغيث.
وروى أَبُو عبيد عن أبي زيد يقال أحيا القومُ إذا مُطِروا فأصابت دوابُّهم العشب وسمنت. وإن أرادُوا أنفسَهم قالوا : حَيُوا بعد الهزال. والحَيَا الغيثُ مقصورٌ لا يمدّ. وحَيَاءُ الشَّاةِ والناقةِ والمرأةِ ممدودٌ ولا يجوز قصْره إلا لشاعرٍ يُضطرّ في شعره إلى قَصْره. وما جاء عن العرب إلا ممدوداً ، وإنما قيل له حَيَاءٌ باسم الحياءِ من الاستحياء لأنه يُسْتَرُ من الآدميّ ، ويكنّى عنه من الحيوان ويستفحش التصريح بذكره واسمه الموضوع له ، ويستحى من ذلك ، سمّي حياءً لهذا المعنى. وقد قال الليث : يجوز قصر الحياء ومدُّه وهو غلطٌ لا يجوز قصره لغير الشاعر لأن أصْلَه الحياء من الاستحياء.
حوى : قال الليث : حَوى فلانٌ مالَه حَيّاً وحَوَايةً : إذا جمعه وأَحْرزه. واحْتَوَى عليه. قال : والْحوِيُ استدارةُ كل شيءٍ كَحوِيّ الحيّة ، وكحويّ بعضِ النجوم إذا رأيتَها على نَسَق واحدٍ مستديرةً. وقال أبو العباس قال ابن الأعرابي : الحَوِيُ المَالِكُ بعد استحقاق. والحَوِيُ العليل والدويُّ الأحْمَقُ مشدَّدَات كلها. قلت : والحَوِيُ الحُوَيْضُ الصغير يسوِّيه الرجلُ لبعيره يسقيه فيه وهو المرْكُوّ يقال قد احتويت حَوِيّاً وأمّا الحَوَايَا التي تكون في القِيعانِ والرِياض ، فهي حفائرُ ملتوِيةٌ يملؤُها ماءُ السيلِ فيبقى فيها دهْراً لأنّ طين أسفلها عَلِكٌ صُلْبٌ يُمْسِكُ الماءَ ، واحدتها حَوِيّةٌ. وقد تسميها العرب الأَمْعاء تَشْبِيهاً بحوايا البطْن.
أبو عُمَرَ : الحَوايَا المساطِح ، وهو أن يَعْمِدوا إلى الصَّفا فيَحْوون له تراباً يحبس عليهم الماءَ ، واحدتها حَوِيّة حكاها عن ابن الأعرابي وأخبرني المنذريُّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفرّاء في قول اللهِ جلَّ وعزَّ (أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)