جهة الإعلام للضمان لها (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القَصَس : ٧] وقد قيل إن معنى الوحْي ههنا الإلْهَامُ ، وجائز أن يُلْقي اللهُ في قلبها أنه مردودٌ إليها وأنه يكون مرسَلاً ولكن الإعلام أبْينَ في معنى الوَحْي ههنا.
وقال أبو إسحاق : وأصل الوَحْي في اللغة كلّها إعلامٌ في خفاءٍ ، ولذلك صار الإلمامُ يُسمَّى وحْياً. قلت : وكذلك الإشارَةُ والإيماءُ يسمى وَحْياً ، والكتابة تسمى وَحْياً.
وقال اللهُ جلّ وعزّ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١] معناه إلا أنْ يُوحِي اللهُ إليه وحياً فيُعلمه بما يعلم البشر أنه أَعْلَمَه إمّا إِلْهَاماً وإما رُؤْيَا ، وإما أن يُنْزِل عليه كِتَاباً ، كما أَنْزَل على موسى أو قُرآناً يُتْلَى عليه كما أَنْزَل على محمدٍ ، وكل هذا إعلام وإن اختلفت أسبابُ الإعلام فيها.
وأفادني المنذريّ عن ابن اليزيدي عن أبي زيد في قوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) [الجنّ : ١] من أَوْحَيْتُ. قال : وناسٌ من العرب يقولون : وَحَيْتُ إِليه ، ووحيْتُ له ، وأَوْحَيْتُ إليه وله. قال وقرأ جُؤَيّةُ الأسديّ : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) [الجن : ١] من وَحَيْتُ ، همزَ الواوَ. وذكر الفراءُ عن جؤية نحواً مما ذكَرَ أبو زيد.
ثعلب عن ابن الأعرابي : أَوْحَى الرجلُ إذا بعثَ برسولٍ ثقةٍ إلى عبد من عبيده ثِقَةٍ ، وأوحى أيضاً إذا كلّم عبده بلا رَسُولٍ. وأَوْحَى الإنسانُ إذا صار مَلِكاً بعد فقر. وأَوْحَى الإنسان وَوَحى وأَحَى إذا ظلم في سلطانه. واستَوْحَيْتَهُ أي استفهمته. قال : واستوحيْتُ الكلبَ واستوشيْتُه وآسَدْتُه : إذا دَعْوتَه لتُرْسِله. قال : والوَحَى النار ، ويقال للملك وَحى من هذا.
وقال بعضُهم : الإيحاءُ البكاء ، يقال فلان يُوحِي أبَاه أي يَبْكِيه ، والنائحة تُوحِي الميِّتَ تَنُوح عليه ، وقال :
تُوحِي بحالٍ أبَاهَا وهو مُتَّكِىءٌ |
على سِنَانٍ كأنْفِ النَّسْرِ مَفْتُوقِ |
أي مُحدَّد. أبو عبيد عن أبي زيد : الوَحَاةُ الصوتُ ويقال : سمعت وَحَاه ووَعَاه.
والوَحَاءُ ممدود : السرعة. يُقال : تَوَحَ في شأُنِك أي أَسْرِع فيه. وَوَحَّى فلانٌ ذبيحته إذا ذبحه ذبحاً وَحِيّاً. وقال الجَعْدِيُّ :
أسِيرَانِ مَكْبُولانِ عِنْدَ ابنِ جَعْفَرٍ |
وآخَرُ قد وحَّيْتُمُوه مُشَاغِبُ |
والعرب تقول الوَحَاءَ الوحاءَ ، والوحَا والوحَا ، ممدوداً ومقصوراً ، وربما أدخلوا الكاف مع الألف فقالوا : الوحَاكَ الوحَاكَ ، ورَوى سلمةُ عن الفرَّاء قال : العرب تقول النَّجَاءَ النَّجَاءَ والنَّجَا النَّجَا ، والنجاءَك النجاءَك ، والنَّجَاك النّجَاك. وقال أبو العباس : قلت لابن الأعرابي : ما الوَحَى؟ فقال : المُلْكُ ، فقلْت : ولم سُمِّي المُلْكُ وحىً؟ فقال. الوَحَى النّارُ فكأنّه مثلُ النار ، ينفَعُ ويضرُّ. وقال أبو زَيْدٍ من أمثالِهم وَحْيٌ في حَجَرٍ ، يُضْرَبُ مثَلاً لمن يكتم سِرَّه ، يقول الحَجَرُ لا يُخْبِرُ أحداً بشيءٍ فأنا مثْلُه لا أُخبر أحداً بشيء أكتُمُه. قلت : وقد يُضْرَبُ مَثَلاً للشيء