ولا تُمْنَع من مَرْعى ، وإذا لقيها المُعْيِى المنقطَعُ بِه لم يركبْها. وجاء في الحديث أن أول من بَحَّرَ البحائر وحَمَى الحَامِي وغيَّر دينَ إسماعيل عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة بن خِنْدِفٍ.
وقيل : البحيرةُ الشاة إذا وَلَدتْ خمسةَ أَبْطُن فكان آخرُها ذكراً بحروا أُذنها أي شقُّوها وتُركت فلا يَمَسُّها أحد. قلت : والقولُ هو الأوَّل لما جاء في حديث أبي الأحوص الجشميّ عن أبيه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له «أَرَبُّ إبِلٍ أَنْتَ أَمْ رَبُّ غَنَمٍ؟ فقال : منْ كُلٍّ قد آتاني الله فأَكثَرَ. فقال له : هل تُنْتَجُ إبِلُك وافيةً أَذُنُها فَتَشُقّ فيها وتقول بُحُر؟» يريد جمعَ البَحِيرة.
وقال الليث : البحيرةُ : الناقةُ إذا نُتِجَتْ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ لم تُرْكَبْ ولم يُنْتَفع بظهرها فَنَهى الله عَنْ ذلك. قلت والقولُ هو الأول فقال الفرَّاء : البحيرَةُ : هي ابْنَةُ السائِبة ، وسنفسر السائِبة في موضعها.
وقال اللَّيْثُ : إذا كان البحرُ صغيراً قيل له بُحَيْرَةٌ. قال وأما البُحَيْرةُ التي بالطَبريَّة فإنها بحر عظيم وهو نحوٌ من عَشْرَةِ أَمْيالٍ في ستة أميال ، وغُؤُور مائِها علامةٌ لخروج الدَّجَّال. قلتُ : والعربُ تقول : لِكلِّ قرية هذه بَحْرَتُنا وروى أبو عبيد عن الأُمَويّ أنه قال : البَحْرَةُ الأرْضُ والبلدةُ.
قال : ويقال : هذه بَحْرَتُنَا.
قال : والماءُ البَحْرُ هو المِلْح ، وقد أبحر الماء إذا صار مِلْحاً وقال نُصَيْبٌ :
وقد عَادَ ماءُ الأرْض بَحْراً فَزَادَنِي |
إلى مرضي أن أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ |
وحدّثنا محمد بن إسحاق السعديُّ قال حدّثنا الرّمادي قال حدّثنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزُّهري عن عُرْوَة أن أُسَامَةَ بن زيد أخبره «أن النبي صلىاللهعليهوسلم رَكِب حِمَاراً عَلَى إكافٍ وتَحْتَهُ قطيفَةٌ فَرَكِبَه وأَرْدَف أُسامة ـ وهو يَعُود سَعْدَ بنَ عُبَادة ـ وذلك قَبْل وقْعة بدر فلما غشيت المجْلِسَ عجاجَةُ الدّابَّة خمَّر عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ أنْفَه ، ثم قال لا تُغَبِّرُوا عليْنَا ، ثم نزل النبي صلىاللهعليهوسلم فوقف وَدَعاهم إلى الله وقَرَأَ القرآنَ فقال له عبد الله : أيها المرء إن كان ما تقول حَقّاً فلا تؤذِنا في مَجْلِسنا ، وارْجِعْ إلى أهلِكَ فمن جاءك منّا فقُصَّ عليه. ثمَّ ركب دَابّته حتى دخَلَ على سعدِ بن عُبَادةَ ، فقال : أَيْ سَعْدُ ، ألم تسمع ما قال أبو حُبَاب؟ قال كذا : فقال سعد : اعْفُ عَنْه واصْفَحْ فوالله لَقَدْ أعطاك الله الذي أعطاك ، ولقد اصْطَلَحَ أهل هذه البُحَيْرَةِ على أن يُتَوِّجُوه ، يعني يُمَلِّكُوه فَيُعَصِّبوه بالعِصابة ، فلمَّا رَدّ الله ذلك بالحقِّ الذي أعْطَاكَهُ شَرِقَ لذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه النبي صلىاللهعليهوسلم».
وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الرُّوم : ٤١] الآية معناه : أَجْدَبَ البَرُّ ، وانْقَطَعت مادّةُ البَحْرِ بذنوبهم ، كان ذلك ليذُوقوا الشِّدَّةَ بذُنُوبهم في العاجل.
وقال الزَّجّاج معناه : ظَهَرَ الجَدْبُ في البَرِّ ، والقحطُ في مُدُن البحر التي على الأنهار. قال : وكل نَهر ذِي ماءٍ فهو بَحرٌ. قلت : كل نهر لا يَنْقَطِعُ ماؤه : مثل دِجْلة